تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
«نحن شعب متدين بطبعه» عبارة يجب أن نحذفها من قواميس حياتنا لأننا أكثر الشعوب على الأرض بحثًا عن المواقع الإباحية عبر شبكة الإنترنت، ونحن من أكثر شعوب العالم استخدامًا للمخدرات بكل أنواعها وكذلك الخمور والسجائر، ولكن هل كنا هكذا فى الماضي، وهل كان المصرى فاسدًا إلى هذه الدرجة التى وصل إليها الآن والتى أصبح يبرر فيها فساده فتتعاطف معه الأغلبية العظمى من الناس، كفيديو الصبية الذين تم الامساك بهم فى بورسعيد وهم يحاولون تهريب البضائع من الجمرك، فلقد لمست تعاطفًا مع الخارجين عن القانون بحجة أنهم غلابة وفقراء وبأن الأغنياء لا يتم عقابهم وهذا غير صحيح، ففى السجون المصرية وزراء ومحافظين ووكلاء وزارة ورؤساء هيئات وقضاة وأطباء تم الامساك بهم فى قضايا رشوة وغيرها وحكم عليهم القضاء المصرى بالحبس لسنوات مختلفة وهم يقضون الآن مدة عقوبتهم وإذن فمن الخطأ أن نشيع بأن الغنى لا يحاسب وأن الفقير وحده هو من يدفع الثمن، فهذا المنطق المغلوط يؤدى إلى تبرير الجريمة وانتشارها، وهذا الأمر قد طرأ حديثًا على الشخصية المصرية التى أصبحت لا تعترف بالخطأ ولكنها تبرره.
وكنا فى المقال السابق قد توقفنا عند العوامل المؤثرة فى الشخصية الإنسانية، وذكرنا أنها ثلاثة عوامل أساسية (اقتصادية وثقافية وجسمانية) أما الاقتصادية فهى لا تحتاج لتوضيح، فالوضع المالى للإنسان يؤثر فى سلوكه، وفكر الفقر يختلف تمامًا عن فكر الثراء، والفقير السوى هو من يبذل قصارى جهده من أجل الحراك الاجتماعي، وكان التعليم وما زال هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الحراك.. فالأب الغنى لا يقبل ابن الفقير زوجًا لابنته، ولكن حين يعلم أنه تخرج فى كلية الطب وصار طبيبًا فإن النظرة ستختلف، أما الفقير غير السوى فهو يحمل حقدًا وضغينة بداخله ضد المجتمع بأكمله، وهو غير سوى لأنه تشبع بثقافة فاسدة وهى العامل الثانى والأهم فى تكوين الشخصية الإنسانية، والثقافة عادة تستمد من الأبوين وأفراد المجتمع المحيط والمدرسة والمسجد والكنيسة والكتاب ووسائل الإعلام المختلفة بما فيها حاليًا مواقع التواصل الاجتماعي، والحق أقول أننى أشفق على المصريين من مصادر الثقافة الحديثة فهى لا تبنى إنسانًا سويًا راقيًا، متحضرًا، ولكنها تخلق لنا إنسانًا مشوهًا، مريضًا وحاقدًا وكارهًا لكل شئ، وبالتالى فهو لا ينتمى للأرض التى ترعرع فيها ولا لأصله ولا لمجتمعه، فمنذ نعومة أظافره وهو يتلقى معلومات فاسدة، تبدأ بالأم «لو حد مد إيده عليك إديلو على وشه» و«اللى تعرف ديته اقتله» و«خليك ناصح وزوغ م الكمسري» وأما الأب «بلا تعليم بلا وجع دماغ، يعنى خدوا إيه اللى اتعلموا» وأما المدرسة فحدث ولا حرج «إللى عايز أسئلة الامتحان يروح للأستاذ الدرس»، ناهيك عن مناهج التعليم المبنية على التلقين والحفظ دون الفهم، والأمر ذاته فى المسجد والكنيسة فالخطاب الدينى فى معظمه يقوم على عداء الآخر وتكفيره ويصل إلى حد التعصب الأعمي، والذى يدفع الناس لقتال بعضهم بسبب اختلاف العقائد والطوائف، وهناك جماعات تستقطب الأطفال والصبية فى الأحياء الفقيرة بحجة تحفيظهم القرآن والأحاديث، وتدعوهم للاعتكاف فى شهر رمضان فى المساجد وكذلك إلى الخروج فى سبيل الله لدعوة الناس إلى الصلاة، وأثناء ذلك وبشكل بسيط وميسر يتم دس السم فى العسل وذلك بتلقين هؤلاء بعض المفاهيم والفتاوى المتشددة التى تخلق إنسانًا متجمدًا فى أفكاره، لا يقبل النقاش ويدافع عما آمن به حتى وإن إستخدم السلاح فى ذلك وصار مجرمًا وقاتلًا، وهنا تختلط المفاهيم، فالقاتل فى سبيل الدين عند هؤلاء ليس مجرمًا وإنما هو من المجاهدين فإذا قتل فهو من الشهداء، وقد وجد البعض ضالتهم فى التدين والانضمام لهذه الجماعات المتأسلمة بغرض الحراك الاجتماعي، فكم من سباك يقال له الشيخ فلان، فيكتسب احتراما من الجميع وبالتالى يرقى فى السلم الاجتماعى، وهو يسيطر على زاوية غير تابعة للأوقاف ويؤم الناس بها ليحقق ذاته، وهؤلاء يتم تحصينهم ثقافيًا بواسطة شيوخهم وذلك بتكفيرهم لكل وسائل الثقافة الأخري، فالتليفزيون كفر والصحف كفر وبذا يصبح الفرد فيهم أسيرًا لما تلقاه من تعاليم والتى قد تصل إلى حد تكفير المجتمع بأكمله وجواز قتله، وأما السبل الأخرى للثقافة كوسائل الإعلام فالقائمون عليها وللأسف الشديد لا يدركون أنهم يساهمون فى بناء الشخصية المصرية، ولأن فاقد الشئ لا يعطيه فإن معظم هؤلاء لا يمتلكون ثقافة كى ينقلوها للناس وإذا أوسد الأمر لغير رجاله فقل ما تشاء، فالدراما تكتبها الآن مجموعة من الورش الفنية التى هى عبارة عن شباب لا يحمل ثقافة ولا يدرى خطورة ما يقدمه فيكتب ما يستهوى النجم فيساعد بشكل مباشر فى تدمير منظومة القيم المجتمعية، وبذا فهو يساهم فى تشويه الشخصية المصرية، فالطفل يقتدى بما يراه وبعض الشباب يقلدون نجومهم، فيرقصون بالسيف على طريقة محمد رمضان كما كانوا فى الماضى يقصون شعورهم كابوريا بطريقة الراحل أحمد زكى، وأما العامل الثالث من العوامل المؤثرة فى الإنسان فهو العامل الجسماني، فالشكل الخارجى والصحة الداخلية تؤثر فى الحالة النفسية للشخصية، والمصرى حديثًا بدأ يغير من ملامحه الخارجية بالشعر الطويل تارة وبالتاتو تارة أخرى، وبعض الشباب يرتدون أقراطًا فى آذانهم وسلاسل فى رقابهم، وكنا حتى وقت قريب نشير على من يفعل ذلك بأنه ليس رجلًا فكيف تغيرت المفاهيم، ولماذا اختلفت الشخصية المصرية؟..ربما نجد جوابًا فى المقال المقبل إن شاء الله..