السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محنة المواطنة.. واستغلال الأقباط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عهود متتالية مرت على أقباط مصر، توالت عليهم المظالم وتوارث الحكام في مصر استغلالهم، يُستغلون لتحقيق مآربهم، وحينما تتحقق - أو تكاد تدنو منهم - تبدأ معاناة المسيحي في وطنه، محنة لم تنته مع مرور الأزمنة، ولن تنتهي طالما هناك خسة وساديه تتفشّيان في الأنظمة، وفي المقابل يظهر معدن المواطن المسيحي الذي يفدي حفنة من تراب وطنه بالغالي والنفيس، وبالدماء قبل المال، لن يغفر التاريخ ما حدث في عام 1971 من اعتداء مروّع على الأقباط في دار للكتاب المقدس في مدينة الخانكة في عهد الرئيس "المؤمن" محمد أنور السادات، الذي كان يخطط لمعركة العبور المستحيلة، إذ تفككت الجبهة الداخلية التي كانت بحق هي صمام أمان للكل وحائط صدّ أمام كل معتدٍ.
حينها - وبدهاء شديد - كلّف مجلس الشعب المصري ببحث المشكلة وإيجاد حلول لها، وهي الحلول التي تضمّنها تقرير الدكتور العطيفي عام 1971، وكانت - وما زالت - حبيسة الأدراج حتى الآن، لم تر النور إلا ساعة كتابتها فقط، ولن تراه، وتم استخدام التقرير لرأب الصدع الداخلي لنعبر ونجتاز الهزيمة بنصر، بينما تحمل الأقباط وكانوا على قدر المسؤولية، وبعد الانتهاء من المعركة الخارجية تفرغ للقضاء على الأقباط، فملّك زمام الوطن لجماعات الإسلام السياسي ليضرب اليسار بعد التنكيل بالأقباط!.
فتمركزوا في أسيوط والمنيا، وشهد التاريخ على أقسى محنة واجهها المواطن المصري القبطي، فترات تعذيب الأقباط ومسيحيي مصر، وآخر المطاف خطط لاغتيال البابا شنودة ولكن إرادة السماء حكمت حكمها فحصدت روحه يوم عرسه وسط أبنائه بطلقات خارقة حارقة.
وجاء عصر الرئيس مبارك، الذي هادن التيارات الدينية والإخوانية وترك البابا شنودة في الدير 41 شهرا، إلى أن صدر قرار باعتراف الدولة بعد أن سحبه السادات وسط تهليل أعضاء سيد قراره "مجلس الشعب"، وترك الأقباط للجماعات الدينية وأصر على تسليم ملف الأقباط إلى الجهات الأمنية التي نكّلت بهم، وتظاهر في أوقات عديدة بصداقة الأقباط، ولكنه - من آن لآخر - كان يتركهم للجماعات الدينية تنهش لحوم أبنائهم، فتسرق وتحرق وتقتل وتغتصب، ولا مانع. 
إلى أن قامت ثورة يناير التي أزاحت النظام، وشارك الإخوان - من هادنهم مبارك - في معركة الجمل وقتل الثوار، ليزيحوا من أعطى لهم جواز مرور بـ 88 مقعدا في البرلمان عام 2005 ويهمّش الأقباط، وأمسك زمام الأمور مجلس عسكري كل أمله الخروج الآمن، ولهذا رضخ للتيارات الدينية وسُدّت آذانه وبُحّ صوته عن وحدة الوطن ومشاركة الكل، ليسلّم مصر للإخوان ليتحكموا في مصير مصر، ويحوّلوا مصر إلى حاضنة للإرهاب العالمي، لتصبح سيناء وجبل الحلال "تورا بورا" مصر، وضحّى المجلس العسكري السابق، ليس بالإقباط فقط، بل بمصر كلها لصالح قلادات النيل والخروج الآمن.
ثم رحل الإخوان، وتخيّل الأقباط أنه بخروجهم سوف تنتهي عذاباتهم، وبدأ تهديد الإسلاميين ووعيد السلفيين والإسلام السياسي، الذين هبّوا لإنقاذ مصر فحرقت 85 كنيسة ودمر 970 منزلا و37 صديلية و16 مدرسة و3 فنادق عائمة، واستشهد 6 أقباط وخطف ما يقرب من 500 فتاة قبطية اغتصب بعضهن وتحوّل بعضهن إلى الإسلام عنوة.
أظهر النظام الجديد وجها طيبا تجاه الأقباط، ووعد بتعويضهم وبناء كنائسهم، ولكن هيهات، تناسى وعودة وما زالت كنائس الأقباط شاهدة على تضحيات الأقباط، وعلى خسة وإرهاب الجماعات الدينية، وتجاهل المجلس العسكري، وشارك في إعداد دستور مشوّه لا يخدم الثورة ولا يحقق مدنية الدولة كاملة، وإنما ارتشى بدستور موائمات مع السلفيين وجماعات الإسلام السياسي، وتناسى وأهمل حقوق الأقباط ودماء الشهداء، اعتقد الأقباط أن تضحياتهم لن تضيع، ووثقوا في عهود المجلس العسكري وحكومة العواجيز، لتأتي الطامة الكبرى بأحكام قضائية تنكّل بهم وبذويهم عبر أحكام فاشية عنصرية ضد المجني عليهم، ورأفة وتسامح مع الجناة، فموت 6 أقباط وحرق قبطي حيّاً "رضا هلال" يُحكم بعدها على ذويهم ويترك الجناة طلقاء.
بالطبع كل هذه الأعمال تعكس انحلالا أخلاقياً وإنسانيّاً من أنظمة تستغل الأقباطـ، ثم تنكّل بهم بعد ذلك وتتركهم وليمة على موائد التيارات الدينية المتطرفة والطابور الخامس في القضاء والشرطة، لينالوا جزاءهم لثقتهم في أولى الأمر.
لقد قدّم الأقباط كل هذه التضحيات من أجل مصر، من أجل وطنهم، من أجل إيمانهم، تُرَى أليس هذا يعكس خسّة ونذالة الأنظمة؟!.
السؤال المهم الآن هو: ماذا يجب أن يفعله الأقباط في مرحلة الكفاح لنيل الحقوق؟!.