حوار السيدة علياء غانم، في جريدة الجارديان البريطانية مؤخرًا، لم يكن مفاجئًا أو صادمًا للمختصين في شئون التنظيمات المتطرفة، فما قالته السيدة السورية الأصل عن نجلها الأكبر أسامة بن لادن لم يحمل أي جديد سوى الحديث عن شخصيته الإنطوائية أو تفوقه الدراسي أو علاقته السابقة بعبدالله عزام، أحد قيادات الإخوان المسلمين.
فعلاقة «بن لادن» بـ «عبدالله عزام» ذات مستويين اثنين، أحدهما داخل المملكة العربية السعودية عندما كان يدرس الأول الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز، وكان يجوب الثاني المملكة يجمع الأموال لدعم «المجاهدين الأفغان»، فما زالت خطبة «آيات الرحمن في جهاد الأفغان» يسمع صداها في مساجد الحرمين، وهنا كان التحول الأبرز في شخصية الشاب العشريني أسامة بن لادن.
تأثر أسامة بن لادن بـ«عزام» لم يكن داخل الحدود السعودية، وإنما حدث التأثر الحقيقي في أفغانستان، فتزامل كل منهما في أفغانستان، وهنا يمكن أن نقول إن «عزام» لم يكن نقطة تحول فكري فقط، وإنما كان هناك تحول عسكري وتنظيمي، و"بالتالي" ما يردد من أنّ «بن دلان» نبتة لمن سقاها وهم الإخوان المسلمون لا يمكن اعتباره مبالغة أو مجافاة للواقع أو الحقيقة التي نعرفها وأثبتتها السيدة علياء غانم في حوارها المشار إليه.
أسامة بن لادن لم يتأثر بالإخوان المسلمين فقط وإنما كان عضوًا فيها، منتظمًا ضمن هياكلها ودرس من برامجها التربوية، واعترف بذلك، وردّد أيمن الظواهري خليفته وظله في العمل الجهادي بأفغانستان، فقال: إن الشيخ أسامة كان عضوًا في "الإخوان المسلمين" ولكنه طُرد منها لأنه لم يكن يطيع الأوامر أو قد يكون تمرَّد عليها.
فبعيدًا عن تحولات أسامة بن لادن الثابتة عبر التاريخ، شارك الإخوان المسلمون في الجهاد الأفغاني وأرسلوا الآلاف من المجاهدين للقتال هناك، فكانوا داعمين، ليس لقتال الأفغان فقط وإنما في نشأة ما يمكن أن نسميه تنظيم قاعدة الجهاد، فعندما انتهت الحرب الأفغانية أشار «عزام» على صديق دربه «بن لادن» بضرورة الاحتفاظ بقاعدة بيانات المجاهدين، فالجهاد لم يُرفع بعد، وفلسطين لم تُحرر، وهنا تم إطلاق قاعدة الجهاد وهي في الأساس قاعدة بيانات أشار عبدالله عزام إلى ضرورة إنشائها على رفيق دربه أسامة بن لادن.
وهنا دلالتان مهمتان إحداهما تؤكد أن نشأة «التنظيم» في أساسه كان بإيعاز من أحد قيادات الإخوان المسلمين، والثانية العلاقة القوية بين «الإخوان» و«تنظيم القاعدة» ومَن وضعوا لبناته الأولى، الأدهى من ذلك أن أيمن الظواهري كشف في كتابة «فرسان تحت راية النبي» أن الإخوان المسلمون هم مَن سهّلوا سفره لأفغانستان وكان وقتها- حسبما قال- يعمل بأحد المستشفيات التي كانت تخضع لإدارة الإخوان المسلمين في مصر ضمن الجمعيات التابعة للجماعة، وهو تحول دراماتيكي ثان، أسامة بن لادن كانت له علاقة بالإخوان وقد ساعدته «الجماعة» في بناء تياره الجهادي، كما ساعدت «الظواهري» على السفر لأفغانستان حتى صار زعيمًا لتنظيم قاعدة الجهاد.
"الإخوان المسلمين" جماعة كبيرة وقديمة خرجت من تحت عمامتها كل جماعات العنف والتطرف، فإما أن يكون قادة التنظيمات المتطرفة خرجوا من مدرستها مثل شكري مصطفى، زعيم تنظيم «جماعة المسلمين» والتي عرفت فيما بعد في وسائل الإعلام بجماعة التكفير والهجرة، أو شاركت «الجماعة» في نشأة تنظيمات أكثر تطرفًا مثل تنظيم قاعدة الجهاد.
جماعة الإخوان المسلمين لها علاقة بنشأة ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فقد اعترف د. يوسف القرضاوي، أحد قادة تنظيم الإخوان ورئيس اتحاد ما يُسمى "علماء المسلمين"، بأن "أبو بكر البغدادي"، زعيم التنظيم والملقّب بخليفة المسلمين، كان عضوًا في الإخوان المسلمين لكنه استعجل الطريق، وهو دليل قاطع على أنّ عمامة الجماعة كانت تسَعُ كل التنظيمات المتطرفة بلا استثناء، بدءًا من جماعة التكفير والهجرة، وهي جماعة محلية، مرورًا بتنظيم قاعدة الجهاد، وانتهاءً بتنظيم «داعش»، وهي ضمن التنظيمات العابرة للحدود.
لا نجد صعوبة في إثبات العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات المتطرفة، العلاقة التنظيمية، أو روابط النشأة، كما لا نجد صعوبة في إثبات العلاقة الفكرية، فرسائل حسن البنا ومَن تلاه من المرشدين تؤكد ضرورة استخدام ما تسميه الجماعة القوة والجهاد وهو مسمى للعنف؛ لأنه استخدام في غير محله وتأويلٌ غير صحيح للإسلام، فتصورات جماعة الإخوان المسلمين للإسلام لا تختلف كثيرًا عن تأويلات التنظيمات المتطرفة، غير أنّ ماكينة «الجماعة» نجحت في إنتاج خطابين قدّمت نفسها للنّاس من خلالهما، أحدهما دعوي، وآخر «جهادي» إذا لزم الأمر، وغالبًا تستعيض بدور التنظيمات المتطرفة على أن تظهر أنها جماعة عنف أو تُحرض عليه.