الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حودايت عيال كبرت «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت قد شرعت في كتابة هذه الحكايات كنوع من التأريخ لنفسي لي ولأولادي، ونشرت بعضا من سلسلة المقالات في أماكن متفرقة، وحفزني حديث رئيس مجلس الإدارة الدكتور عبد الرحيم لي ولزملائي بضرورة الكتابة.. حتى أنه كرر كلمة اكتب في اجتماعه مع الصحفيين أكثر من مرة.. ولأن الكتابة بالنسبة لي حياة قررت أن أعيدكم معي إلى 4 عقود مضت لنبدأ سويا من بداية الرحلة، على أن أطل عليكم من نافذتي هذه وإليكم الحدوتة الأولى «القزع».
حينها في المرحلة الإعدادية، وكان المد الإسلامي على أشده في القرى، لم نكن حينها ندرك المسميات ولا نفرق بين السلفيين والإخوان والجهاديين، كما أن بعض المشايخ المنضمين إلى هذا الحراك لم يكونوا على علم بما يجري في الكواليس، وإنما كان في ضمائرهم أنهم يعملون لله، ومن الجفاء إنكار أنني تعلمت على يد بعضهم ما ظل عالقا في ذهني حتى الآن، فأحدهما كان سببا في أني حفظت سورة «الكافرون» و«البينة» بسلاسة، بعد أن كانتا عقدتين لي، هذه التجارب علمتني أن أكون وسطيا في كل شيء.. وأن لا أتحزب.. ولا أندرج طيلة حياتي تحت أي مسمى.. يميني أو يساري.. الدين بيني وبين ربي.. وأن أسدد وأقارب ولا أغالي.. وأن أتودد إلى الله بقلبي وليس بمظهري.. وألا أحاكم الناس على عقائدهم.. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. علي بنفسي فقط.. وبدأت أسعى لأن أكون مسلما حقا وليس بالوراثة.. أقرأ ثم أعقل لكي لا أكون «تابعا لينا.. يحشوه من أراد فكرا»، نعود إلى المرحلة الإعدادية..
في هذه الآونة بات معروفا مسجد الجماعات الإسلامية، حينها كان الأطفال والشباب من أكثر الرواد، وكانت الأسر لا تمانع، فلا أحد يكره أن يذهب ابنه للمسجد، كنا نستيقظ نصلي الفجر ثم نذهب لنلعب الكرة، وكانت هناك قواعد ثابتة لا يمكن بأي حال من الأحوال نسيانها، وهي نطق «سبحان الله» لدى تمرير الكرة لزميل، و«الحمد لله» حين تصله، و«الله أكبر» إذا نجحت الهجمة وسجلنا هدفا في مرمى الفريق الآخر، هذا وتختلف الأذكار من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع، فإذا انقطعت الكرة يكون الذكر «لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا تحول الأمر إلى هجمة مرتدة، صاح أفراد الفريق «اللهم حوالينا ولا علينا»، ثم إذا ما أحرز الخصم هدفا في مرمانا، قلنا «قدر الله وما شاء فعل».
ومن حكايات كثيرة كهذه ما زال عالقا في ذهني وبشدة، تلك «العلقة» التي أخذتها بخرطوم «الأرجيلة» من أبي، والتي كانت الحد الفاصل في حياتي، الواقعة بدأت حينما استأذنت الشيخ أنني سأغيب عنهم يومين حتى أزور أخوالي في القاهرة، كعادتي في إجازة نصف العام، ودعت أقراني ولم يفت الشيخ أن يمنحني بعض التوصيات عن القاهرة وشرورها، وصلت إلى القاهرة وكان لي خال في نفس عمري تقريبا، كان دائما يطلعني كل إجازة على المستجدات في السوق والسينما والملابس، بعد إلحاح جعلني أخلع الجلباب الأبيض والسروال، وأرتدي بنطال جينز وتي شيرت، ثم أخبرني أن هناك «مشط» جديد، يستطيع به تهذيب شعري دون الحاجة إلى الذهاب إلى «حلاق»، هذا «المشط» اللعين يوضع به «موس» ثم يتم تمريره على الشعر، وبأول جرة من «خالي» على رأسي، أحدث كارثة، حيث أزال الشعر من جانب رأسي، بعد مشادة ومشاجرة، قررنا أن نذهب لـ«الحلاق»، وبعد جولة على كل الصالونات لأن المال معنا لم يكن كافيا، قررنا أن نقص فقط الجنبين «كابوريا».
على مضض وافقت، وقطعت زيارتي وعدت إلى القرية، فقابلت ولادي، فنظر إلي وقال «إنت حلقت كابوريا.. جدع.. هم دول يومينك ياض.. اعمل اللي نفسك فيه.. والحلقة حلوة عليك»، تركت والدي وخلعت البنطال الجينز والـ «تي شيرت»، وارتديت الجلباب الأبيض والسروال، ولك أن تتخيل هذا المنظر مع «قصة الكابوريا، ذهبت إلى المسجد وكنت محل استنكار ولوم، وأخبرني «الشيخ» أن هذا قزع «تقصير جزء من الشعر وترك الباقي» نهى عنه الإسلام، لم أفهم الكلمة لكني بت أرددها، هذا قزع.. هذا قزع.. هذا قزع، على الفور ذهبت لـ«الحلاق» وقلت له: «شيل القزع»، نظر إلي بتعجب وقالي بتقول إيه يا بني؟ كررت الكلمة، وحينما لم يفهم قلت له: «زيرو»، باتت رأسي مثل «البطاطسة» وضعت عليها «الطاقية البيضاء»، وعدت إلى المنزل، كان أبي يجلس مع أصدقائه، يشاهد مباراة «الأهلي والزمالك»، ويدخن الأرجيلة»، حينما دخلت عليه، صمت الجماهير في المدرجات عن الهتاف، وشعرت أنهم والمعلق ينظرون إلي، سألني أبي بانفعال: «إيه ده.. إيه اللي إنت عملته في نفسك؟»، قلتله بملء الفم: «أزلت القزع.. القزع حرام»، انتفض أبي وخلع خرطوم «الأرجيلة» وجرى ورائي وهو يردد «قزع يا ابن .... تيـ.....................ت»، كان وقع «الخرطوم» على ظهري، أشد ألما من وقعه على ظهر «يوسف» في مسلسل «المال والبنون» وأنا أصرخ، مولانا قال لأ.. مولانا قال قزع.. مولانا قال قزع..
و«للحديث بقية»