يعتبر التعليم أحد أهم الركائز الأساسية التى استند إليها محمد على فى بناء مصر الحديثة، ومن ثم تمكن من بناء دولة متقدمة صناعيًا وزراعيًا وعلميًا، ولولا التدخلات الأوروبية ضد دولة محمد على ومحاولات تحطيمها لكانت مصر الآن أقوى من كل هذه الدول نتيجة الثمار التى زرعها محمد على إبان بناء دولته، حيث شهدت مصر نهضة مماثلة فى أوائل القرن التاسع عشر حينما تولى محمد على حكم مصر وأولى رعايته للتعليم، وأرسل البعثات للدراسة فى فرنسا، وتقدمت مصر بفضل هذه النظرية التنموية والنهضة العلمية، فالتعليم كان دائمًا هو وسيلة الارتقاء بمصر، ومن هنا أعطته ثورة 1952 أهمية خاصة ونادت بجعله كالماء والهواء، ولكن المتغيرات التى حدثت فى تاريخ مصر بعد ثورة 1952 وحتى قيام ثورة 25 يناير 2011 كانت قد أفسدت كل شيء فى مصر، بما فى ذلك التعليم أيضًا، ومن أجل هذا أولى الرئيس السيسى اهتمامًا كبيرًا بالتعليم وجعل عام 2019 المقبل هو عام التعليم، كما أكد فى إحدى جلسات اليوم الثانى لمؤتمر الشباب الذى انعقد فى جامعة القاهرة، مؤكدًا أن العام المقبل سيكون محطة فارقة فى منظومة التعليم فى مصر، ولجهود الدولة لتوفير الإمكانيات والاحتياجات اللازمة لتحقيق هذا التطوير، الذى سيشمل كل الفئات التعليمية، سواء التعليم قبل الجامعى أو التعليم العالى والبحث العلمي، بالإضافة إلى تخصيص 20% من المنح الدراسية سواء فى الداخل أو الخارج لكوادر التعليم لمدة 10 سنوات، سيكون له أثر إيجابى على العملية التعليمية، ناهيك عن تطوير العملية التعليمية، والتى تشمل إنشاء مراكز لتدريب وتأهيل المعلمين، لضمان نجاح تنفيذ عمليه التطوير، والعمل على تحسين الكوادر التعليمية فى مصر والارتقاء بالمنظومة بكل جوانبها، مع ضمان زيادة رواتب المعلمين لضمان نجاح تطوير العملية التعليمية والحد من الدروس الخصوصية، بما يشمل خطة تطوير التعليم فى مصر.
لقد خاضت ماليزيا نفس التجربة التى خاضتها مصر، من اضطراب سياسى وأمني، وانحدار اقتصادى، ولكن مع كل هذا استطاعت بفضل جهود مهاتير محمد رئيس وزرائها الأسبق، تحقيق طفرة فى الملف الاقتصادى من خلال اهتمامها الكبير بتطوير وإصلاح التعليم لديها. فقد بدأت ماليزيا خطتها فى التنمية بخطوتين غاية فى الأهمية، الأولى هى وقف الفساد، والثانية الاهتمام بالعملية التعليمية كمحور أساسى للتقدم، وهذا أساس أى خطة لإصلاح التعليم بكل مستوياته بدءًا من التعليم الأساسى وحتى الجامعات، والاهتمام بالبعثات التعليمية لكل دول العالم، وتحسين العلاقات بكل دول الجوار لنقل العلوم والتكنولوجيا، وتنمية التعاون، كما أن هناك اهتمامًا كبيرًا بالتعليم الفنى لإخراج عمالة ذات كفاءة عالية، تعمل وفق منهجية علمية وليس بشكل عشوائي!
ربما صدق وزير التعليم طارق شوقى حينما صور نظام التعليم لدينا بالعمارة القديمة، التى ينبغى هدمها فورًا ونقوم ببناء عمارة جديدة من خلال تغيير المنظومة التعليمية بالكامل؛ لأن مستوى التعليم غير مُرضٍ، ومعظمه قائم على الحفظ والتلقين دون الفهم أو الإبداع، وهناك تشوهات كثيرة، بسبب تعدد أشكال التعليم، بالإضافة إلى ضعف الهوية والانتماء واللغة، والمهارات الحياتية، وسوء مستوى الخريجين فى الجامعات الحكومية والخاصة على السواء، وإن كانت الخاصة أخف وطأة من الحكومية، الذين لا علاقة لهم بسوق العمل، ورغم ذلك ينفق عليهم الكثير من المال وينفق عليه عشرات الأضعاف فى الجامعات والمعاهد العليا الخاصة التى تسنزف أموال المصريين دون فائدة ولا تخرج أجيالًا لها قيمة فى سوق العمل وإهدار أموال تدخل جيوب رجال الأعمال أصحاب هذه الجامعات والمعاهد فى ظل غياب رقابة وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات الخاصة!
حيث تشهد منظومة التعليم الجامعى حالة من التراجع، وتحتاج لإعادة تقويم حتى تستطيع الجامعات المصرية المنافسة عالميًا فى ظل هجمة التعليم الخاص واستنزافه لجيوب المواطن المصرى الذى يتجه إليه، نظرًا لتردى مستوى التعليم الحكومى التعليمى، فمجانية التعليم هى الضمانة الحقيقية لإحداث الالتحام بين فئات المجتمع وطوائفه. وإذا كانت القيادة تأمل فى بناء مجتمع قوى بعد الأحداث التى ألمت بنا، فبالتعليم نستطيع أن نبنى مجتمعنا قويًا اقتصاديًا. لأنه القاطرة للتنمية الحقيقية!
على أى حال فقد أحسن رئيس الجمهورية عندما قرر أن العام المقبل هو عام التعليم لإيمانه بأهميته لأن قضية التعليم هى قضية أمن قومى يجب أن ينظر إليه كخط استراتيجى يجب عدم المساس به والضمانة لذلك الارتقاء به وبجودته لضمان استمرار استقرار المجتمع وتقدمه، فبالعلم يبنى الناس ملكهم ولا يبنى مُلك على جهلٍ وإقلال!