تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لا يستطيع عاقل أن يغمض العين عن حقيقة التغيير الجذرى الذى حدث للشخصية المصرية خلال السنوات الأخيرة، وهو تغيير افتقد فيه المصرى الكثير من القيم التى كانت تميزه عبر التاريخ، واستبدلها بصفات لم تكن فيه من قبل أو على الأقل لم تكن غالبة عليه؛ فقد صرنا نكره الخير لبعضنا البعض ونضمر الشر بداخلنا، ونحلل لأنفسنا ما حرمه الله علينا بينما نحرمه على الآخرين، وصارت ألسنتنا لا تعرف إلا البذاءة فى القول، حتى فى بيوتنا ومع أولادنا، وباتت قلوبنا مليئة بالحقد والحسد والغل وهو ما يدفعنا إلى الجرى وراء الفضائح والتشفى والشك فى الجميع دون سند أو تحقق وهو ما يؤدى فى النهاية إلى فقدان الثقة بيننا، ويظهر ذلك جليًا على صفحات التواصل الاجتماعى، والتى كشفت أيضًا عن مقدار ما بداخلنا من عنف، نستخدم فيه الآن الكلمات والشتائم والسباب، ولكن من السهل استبدال ذلك بالسلاح إذا توفر، وقد حدث هذا بالفعل ابتداء من يناير 2011؛ حيث كنا على شفا حرب أهلية حقيقية، فالاشتباكات التى تمت فى محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وبورسعيد، ثم الاتحادية وحرق مقار الأحزاب وأقسام الشرطة وغلق المحاكم بالجنازير وما أعقب فض رابعة والنهضة، كل هذه الأحداث تؤكد مقدار العنف الذى بداخلنا والذى سيؤدى إلى الفوضى فى حالة غياب الدولة، أما التدين الظاهرى فيخفى وراءه مصائب لأحد لها، تبدأ من وضع كتاب الله على المكاتب للتبرك بينما نحلل تقاضى الرشوة بحجة أن الظروف الاقتصادية تحتم علينا فعل ذلك وبحجة أيضًا أن كل الناس تتقاضاها، فلماذا لا أتقاضاها أنا أيضًا ولن أنسى ما حييت ذلك الموظف الملتحى الذى يضع فوق مكتبه مذياعًا صغيرًا تتهادى منه آيات الذكر الحكيم، بينما هو يطلب منى الرشوة لإنهاء ورقة بإحدى المصالح الحكومية، ولما ناقشته فى هذا قالى ليّ: أنا لا أطلب رشوة وإنما هى حسنة من رجل مقتدر، ولن أنسى كذلك تلك السيدة المحجبة الجالسة بداخل شباك واحدة من الإدارات الحكومية وأعلى الشباك لافتة كبيرة كتب عليها حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «الراشى والمرتشى فى النار»، ومع ذلك أوقفت الأوراق عندها حتى حصلت على الرشوة التى تريدها، فلما تحدثت معها قالت: «حضرتك بتتكلم على عشرين ولا خمسين جنيها، ما تشوف اللى ممسوكين بملايين».. وكأن هذا هو المنطق الآن، ومصائب التدين الظاهرى تمتد وصولًا إلى الأفكار الدموية التى يروج لها بعض المتأسلمين، مثل: «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، والمنتحر بحزام ناسف قتل به أحد المسلمين هو من الشهداء، إلى آخر تلك المصائب الفكرية التى لا تمت بأى صلة لحقيقة الدين الإسلامى الحنيف، فهؤلاء حولوه من دين تسامح وحب ومغفرة إلى دين قتل وعنف وكراهية، وانتشار الإسلام السياسى فى مصر ابتداء من سبعينيات القرن الماضى ساهم بشكل أو بآخر فى تغيير الشخصية المصرية، سواء على المستوى الظاهرى (الجمالي) أو على المستوى الداخلى (النفسي)، فقد كنا أكثر إيمانًا دون جلباب ولحية ونقاب، وكنا أكثر ورعًا قبل أن ينتشر هذا الفكر الدموى الوافد إلينا، ودعونا نتناول موضوع الشخصية المصرية بشكل موضوعى وتحليلى، وذلك لخطورته وأهميته، فنحن نريد إعادة القيم التى ميزت المصرى عن غيره، وهى القيم الإنسانية المثالية من حب للخير والجمال والعدل وكره للشر والقبح والظلم، وفى التاريخ القديم كان المصرى نبيلًا، شجاعًا، معتدًا بمصريته، مدافعًا عن وطنه، يبنى ويعمر ويخترع وينتصر للمبادئ التى يزررعها فى نفوس الأجيال التالية، والدين عند الفراعنة كان يسمو بالبشر، ويدفعهم للبعد عن الخطيئة، وكثيرة هى الوصايا المحفورة على جدران المعابد فى الأقصر وغيرها، وقد جاء فى وصايا الحكيم «بتاح حتب»: «إذا وجدت رجلًا يتكلم وكان فقيرًا فلا تحتقره؛ لأنه أقل منك، ولا تحرجه، ولا تصب عليه جام غضبك، واقهر أهواءك، فالظلم ليس من شيمة الكلام»، ومن وصاياه أيضا: «إذا كنت عاقلًا فأسس لنفسك دارًا، وأحبب زوجتك حبًا جمًا، وآتها طعامها، وزودها بالثياب، وقدم لها العطور، وإياك ومنازعتها ولا تكن فظًا معها، فباللين تستطيع أن تملك قلبها»، وهذه الوصايا المجتمعية إلى جانب اللوحات الجدارية والتماثيل الفرعونية، تكشف لنا جوانب الشخصية المصرية القديمة من حب للجمال والخير والموسيقى والفن والطبيعة، ولكل القيم والمبادئ النبيلة، فما الذى تغير فينا؟ ولماذا تحولنا إلى ما نحن فيه؟.. وهل بمقدورنا العودة إلى ما كنا عليه؟... واقع الأمر أن الإجابة عن هذه الأسئلة يتطلب منا معرفة العوامل المؤثرة فى الشخصية الإنسانية بشكل عام، وهى ثلاثة عوامل أساسية (الاقتصادية، والثقافية، والجسمانية).. وسوف نتحدث تفصيلًا فى المقال المقبل عن هذا، فللحديث بقية..