الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حتى الحمار لم يسلم من الزيف!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحكى أن الشعوب الرومانية قديمًا كانوا يعتبرون ساحات المصارعة أحد أهم مصادر سعادتهم وتسليتهم، فكانوا يستمدون البهجة من مشاهدة الصراع الدموى بين بطلى المصارعة، وكلما زادت شراسة اللعبة وسالت الدماء وصيحات الألم بين اللاعبين، تعالت صيحات الإعجاب والاستمتاع من المتفرجين، حتى تنتهى اللعبة بقتل أحد المصارعين للآخر، ويصل الجمهور لذروة المتعة على جثة المصارع المقتول.. ويقال إن مقولة «شر البلية ما يضحك» قيلت لأول مرة من أحد المصارعين الرومان بعد أن سقط على الأرض ودماؤه تسيل من كل مكان بجسده، وفى نفس الوقت كان يرى سعادة الجماهير ويسمع ضحكاتهم وصيحات الإعجاب.. ومنذ ذلك الوقت أصبحنا نستخدم تلك المقولة، للتعبير عن سخريتنا من أحداث كثيرة فى واقعنا المؤلم، فلا نجد رد فعل أكثر ملاءمة على الكثير من البلايا التى تحاوطنا سوى الضحك، فنسخر من واقعنا ونضحك على أنفسنا قبل أن يضحك الآخرون!!.. وقد تجلى هذا الشعور أثناء متابعة الخبر الذى تداولته الصحف والبرامج التليفزيونية، والذى يتعلق بواقعة الحمار الوحشى المزيف، والذى تم اكتشافه فى الحديقة الدولية بمدينة نصر، حيث نشر أحد الأشخاص الزائرين للحديقة صورته على أحد مواقع التواصل الاجتماعى بجانب الحمار الوحشى المزيف، والذى تم طلاؤه بخطوط سوداء ليصبح وكأنه حمار وحشي!!.. وسرعان ما انتشرت هذه الصورة التى التقطها هذا الشخص، والذى اتضح أنه طالب بالثانوية العامة من محافظة بورسعيد، كان يزور الحديقة منذ أيام، حيث اكتشف فور رؤيته للحمار أنه ليس وحشيًا، بعد أن تسببت موجة الحر فى إزالة بعض الدهانات والطلاء المرسوم على جسده!! ورغم إنكار الواقعة فى البداية من مدير مشروع الحدائق المتخصصة بمحافظة القاهرة، إلا أنه اعترف بها لاحقًا، بعد أن انتشرت صور الحمار المزيف على مواقع التواصل، وعلق عليها بعض الأطباء البيطريين الذين أكدوا أنه حمار بلدى تم تلوينه، وأوضحوا الفروق بين الحمار الوحشى والحمار العادي!!.. ليتراجع السيد المدير عن إنكاره بعد ثبوت الواقعة وانتشار الفضيحة، ويؤكد أن هذا التصرف غير حضارى وغير لائق، ويصفه بـ«التهريج» ويتوعد بإحالة الموضوع للنيابة واتخاذ الإجراءات القانونية!!.. وبالطبع كان هذا الخبر مفرحًا للشامتين الذين يتصيدون سوءاتنا!! فتداولت الكثير من الصحف والمواقع والقنوات الأجنبية هذا الخبر الذى يبعث على السخرية.. وبالطبع نحن لا نجد غضاضة حين نضحك ونسخر من أنفسنا، ولكننا نغضب ونغار حين نرى سخرية الآخرين منا!!.. ولكن قبل أن نغضب من الآخرين علينا أن نحاسب أنفسنا بجدية، حتى لا نظل أضحوكة لمن يصطادون فى الماء العكر.. فهذه الواقعة كاشفة للكثير ممن يعيشون حولنا، والذين يتفنون فى تزييف كل شئ بفساد ضمائرهم، فهم لا يبالون بأن نظل محلك سر، أو حتى نتراجع سنوات وعقودا للخلف، طالما هم بمناصبهم لا يمسهم سوء.. فكم من الإنجازات الوهمية التى نرى بعض المسئولين يفتخرون بها أمام وسائل الإعلام، وهى فى الواقع تراجع وإخفاق.. وبنفس الطريقة التى اعتادنا عليها، حين يأتى مسئول فيتم وضع الزهور وتنظيف وتنظيم كل شئ حتى تنتهى الزيارة ويعود كل شئ إلى أصله و«سوءه».. ومثالًا على ذلك محافظة الجيزة الآن - محيط جامعة القاهرة - فهى تبدو فى أجمل صورة، بعد أن تزينت لتستقبل المؤتمر الوطنى السادس للشباب بحضور فخامة الرئيس، ولكن هل هذه الصورة هى الحقيقة؟!.. وهل الشوارع التى تتزين لمرور الرئيس تظل هكذا؟!.. والسؤال الأهم إذا كان لديهم القدرة على تحويل الشوارع إلى هذا الشكل الحضارى فى هذا الزمن القياسى، فلماذا لا يكون هذا هو الواقع حتى تعتاد عيوننا على الجمال والنظام والنظافة؟!.. وهل قدرنا أن يظلوا يحتالون ويزيفون الواقع ويجملونه وقتيًا، ونظل نعانى ونتراجع دون أن يحاسب أحد طالما الفضائح لم تنكشف!! علينا أن نراجع أنفسنا حتى لا يصبح «الحمار الوحشى المزيف» منهجًا لكل شئ!!.. وعلى ما يبدو أن وقائع الكوميديا السوداء تحيط بنا على مدار الأزمنة، لذلك عبر عنها المتنبى بقوله عن مصر منذ أكثر من ألف عام، حيث قدم توصيفًا دقيقًا لحالنا آنذاك، فى إحدى القصائد التى عبر بها عن أحوال المصريين، وللأسف لا أجد أنسب من هذا البيت للتعبير عن أحوالنا العبثية، فنضحك على مآسينا ونحن نردد مقولته: «كم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء»!!