إذا كانت العنصرية فى أبسط صورها تشمل كل تمييز يقوم على النسب أو العرق أو اللون أو نوع الجنس، ويعطل على الآخر المشترك معه فى الحياة تمتعه بنفس الحقوق أو تكدر حريته بشكل ما فهل نحن عنصريون؟ وإذا كان مفهوم التعصب فى أبسط كلمات يتمثل فى أن الشخص يرى نفسه على حق ويرى الآخر على باطل. فهل نحن متعصبون؟ أم أننا عنصريون، ومتعصبون بدرجات تختلف حسب شريحة الحياة التى نكون نحن جزءًا منها؟.
لا شك أن هناك علاقات متداخلة بينهما رغم اختلاف تعريفهما فى علم النفس وعلم الاجتماع. لكن ما يعنينى فى الواقع هو هذا السؤال، الذى يفرض نفسه علىّ فى كل الأوقات، فى البيت والشارع والعمل. حين تطل المشاكل برأسها فيما يستجد من أمور، أو حين يدق جرس المصالح دقاته المعدنية فى رأس الرغبة والناظرين حولهم بنصف عين لينقضوا كالضباع فى لحظات الضعف. قد نرى ذلك عاديًا بل وتكتيكيًا فى الحروب. فهل أصيب مجتمعنا فى دوائره الكبيرة والصغيرة والدقيقة المفصلية بداء الحرب. لست أتحدث عن أحداث ما بعد ثورة يناير 2011، سنوات السكر والمر والدم الذى نزف فى سيناء لتطهيرها. وإن كنت لا أبرئ نفسى وإياكم من آثارها الجانبية فما من أحد إلا واختلف مع أحد من أفراد أسرته أو من جيرانه أو من زملاء العمل وخاصة المنتمين منهم للتيارات السياسية الدينية. وما من أحد منا يحب تراب هذا البلد إلا وانتصر لمصر التى نحبها بطريقته التى تدعم مسيرة التقدم والخير بدءًا من ضغط كل أسرة لميزانيتها، وحتى صم الآذان عن الشائعات المغرضة التى تؤثر تأثيرًا سلبيًا، والتى لا تمر مرور الكرام حتى وإن كانت مجرد نكتة أو عبارات ساخرة نقرأها هنا أو هناك.
أتحدث عن سيل النصح والإرشاد الذى نسديه لبعضنا تحت ستار المحبة عن زميلة العمل التى تنصح زميلتها ألا ترتدى البنطلون، وتنتصر للعباءات والجونيلات لأن البنطلونات حتى وإن لم تكن ضيقة فهى تشبه بالرجال وجميع من تحطن بها من السيدات لا ترتدينه. وعندما ترفض ذلك وتنتصر لحريتها الشخصية إما أن يبعدن عنها وتعاقبنها بالنفى خارج الجماعة والاقتصار على أقل العبارات فيما بينهم وفق مقتضى الحال هذا إن لم تكن بينهن من تقسن مقدار التزامها أخلاقيًا بل وربما دينيًا بقدر ما ترتدى من ملابس وطرازها. فما بالنا بمعركة كشف الشعر أو تغطيته فهل هذا تعصب أم عنصرية؟.
أتحدث عن زملاء من الرجال الذين يضايقهم أن تتعامل بندية معهم فيما يخص العمل وظروفه، وحين تأتى فرصة للترقى ويتم طرح اسمك من رؤسائك الكبار لتكون على رأس العمل تفاجئك عبارات مفجعة مفادهها (هى الرجالة ماتت عشان تبقى مديرتنا مرة) نعم لم يقولوا ست، أو سيدة. قالوها مرة. وقس على ذلك. أتحدث عن الزميلة التى صفعها زميل ولم ينصفها أحد من الرجال بشهادة أو هبوا لنجدتها. عن حالات التحرش بأنواعه التى يتطلب فيها أن تصطحت شهودًا من الشارع أو العمل فلا يكون سوى جرح الكرامة والخذلان أو الصمت فى الغالب لعلمنا المسبق أنه لن ينصفك أحد وستخسر الكثير فهل هذه عنصرية أم تعصب أم الاثنان.
أتحدث عن العائلات التى تفتت شيعًا بين زوجات الأعمام وزوجات الأخوال حينما يختص الأمر بلعبة طفل أو ضرب الأطفال لبعضهم فى اجتماعات العائلات ولو لبعض الوقت فى المناسبات. عن كمية التحقيقات والمشاجرات والانفصالات وتفريغ شحنات الغضب والكراهية التى قد تصل إلى التحزب والانزواء أو الغيبة فى أحسن الأحوال فماذا نسمى هذا. أتحدث عن السيدة التى ترتضى لزوجة ابنها ما لا ترضاه لابنتها عن الأب الذى يرضى لابنه بما لا يقبله من زوج ابنته. أتحدث عن الموضوعية عن الصدق عن السماحة عن الاحتواء عن قبول الآخر عن اتساع دائرة المحبة، وعن النظر معًا إلى الأمام وليس إلى بعضنا البعض فيما أكلنا وما شربنا وما أنفقنا عن الشائعات التى نتلقفها ونرددها دون أن تمر على عقولنا. أتحدث عن العلاقات فى الدوائر الصغيرة التى تتسع وتتسع وتتشابك لتصنع مجتمعًا أفضل يحمى وطنًا أجمل بأفراده الطيبين المتحدين المنتصرين دائمًا للسعادة وللفرح.