الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بطء التقاضي وتهديد الحقوق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زيارة واحدة لأى محكمة بمصر، تجعل صاحب الحق يفر مهرولًا نحو خصمه ليتصالح معه، ومع التصالح يتنازل صاحب الحق كثيرًا، بل قد يستجدى خصمه لإنهاء الخصومة ويعود كل منهما إلى بيته، ويا دار ما دخلك شر، هذا الواقع المرير الذى يعيشه الناس فى طرقات المحاكم وقلم المحضرين والأراشيف المختلفة، يفرض علينا الجهر بالشكوى لتعديل المنظومة القديمة والعتيدة، والتى لا تتناسب مع زمن يختصر فيه الإنترنت المسافات والزمن.
المؤكد هو أننى لا أتناول فى مقالى هذا سمعة القضاة، فأنا كما علمنى أستاذنا صلاح عيسى فى إحدى مقالاته، «أحترم القضاء قائمًا قاعدًا»، الكلام هنا عن بنية المحاكم والإجراءات والبيروقراطية والأختام والأوراق والإيصالات وتسلل الرشوة كلغة متعارف عليها لإنهاء المصالح، هذا الكلام نسمعه يوميًا من المحامين والمتقاضين، ومن ساقه حظه العثر ليحصل على حقه فى المحكمة.
وتبدأ الرحلة من مكاتب الشهر العقارى للتوكيل أو التوثيق، وصولًا إلى الحصول على صورة الحكم، وانتهاء بتنفيذه، رحلة شاقة مؤلمة، تهدر الوقت والأعصاب وتقتل الأمل، فعندما يصبح عامل البوفيه فى المحاكم مستشارًا للناس وبوابة لإنهاء الإجراءات، فعلينا الانتباه إلى خلل يهدد استقرارنا، أعرف أن مئات الآلاف من القضايا يتم تداولها سنويًا، وأعرف أن عدد القضاة لا يتناسب مع هذا الكم المهول من القضايا، ولكن هل يمكننا معالجة تلك الحالة بأفكار جديدة وملهمة؟ أفكار تحترم حقوق الناس ووقتهم، وترد للمظلوم مظلمته فى وقت حاسم ومحدد، أعتقد أن لدينا خبراء فى وزارة العدل لديهم تلك الأفكار، وأن رجال القانون بمصر من المحامين قادرين على المساهمة فى تلك الابتكارات التى تجعل الشاكى فى وضع مستقر وغير قلق على حقوقه، وأن يدرك أنه سيستردها فى وقت معلوم.
نظرة واحدة لقضايا صحة التوقيع والنفاذ، نظرة واحدة لقضايا إيصالات الأمانة والشيكات، نظرة واحدة لقضايا بسيطة تؤمن الناس فى حياتهم يمكنها أن تنقل المجتمع من حالة متوترة فى تعاملها مع القضاء إلى حالة منتجة وفاعلة مع المجتمع، فالتطور لا يرتبط بميزانيات ومالية، وحتى لو كان الأمر هكذا، فليدفع المتخاصمون التكلفة إلى خزينة الدولة، فهو أشرف وأجدى من نزيف الإكراميات الذى لا تخطئه عين.
لا أتوقف كثيرًا عند القضايا الكبرى التى تحتاج إلى إجراءات وتوثيق وتحقيق وشهود، أتكلم عن القضايا البسيطة، ومنها على سبيل المثال، حقوق الملكية بمصر فى العقارات مثلًا، والبيع والشراء بالعقود الابتدائية، تلك العقود التى لا يتم الاعتراف بها إلا بعد دعوى نفاذ بالمحكمة، فهل من المنطقى تداول مثل تلك الدعاوى فى عشر جلسات وتأجيلات وزمن ضائع حتى يموت أحد طرفى التعاقد، فكيف يأمن المواطن على ملكه والجهة المنوط بها مساندته تختار الطريق الطويل الشاق على مختلف الأطراف؟
إن عبء عدد القضايا على القاضى الواحد ليس مبررًا كافيًا لكى نرى الناس فى طرقات المحاكم تائهون وقلوبهم معلقة على موعد ينطق فيه القاضى بالحكم، الاطمئنان هو أول طريق للاستقرار والتفرغ للإنتاج والعمل، فليس من مصلحة بلادنا التى تمر الآن فى مفترق طرق لتحاول التقدم والازدهار، أن ينشغل قطاع من الناس بالجرى وراء إجراءات هم فى غنى عن الجرى ورائها إذا كانت المنظومة متطورة.
الاعتماد على الموهبة والإبداع هو طريق الخلاص، سواء فى اختصار زمن التقاضى أو أى مشروع آخر يحتاج إلى النجاح، أملنا كبير فى أن تنال البديهيات حقها فى التعامل الجدى معها، أملنا كبير فى أن تمشى بلادنا فى خطوط متوازية، فكما انتصرنا فى معارك تنموية مختلفة فى السنوات الماضية، نحن قادرون على الانتصار فى معارك جزئية مطلوب اقتحامها.