تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تبدأ يومها مُحاطة بأكوام أسمنت، وألواح زجاج، وأنابيب حديدية، تنشغل بتمليس واجهة، كما تحفر حائطًا بالمثقاب الآلى حجزا لما قررت وضعه ثابتًا أو متحركًا فى زاوية مشروعها، بيت بطابقين تُشرعُ أبوابهما لأغراض ثقافية متعددة، تهندسهُ: هنا باب للدخول، هنا شبابيك، هنا تحف ومجسمات تزين وتبهج المكان، هنا مقهى مجلس رواد وزوار، هنا فضاء للأطفال مساحة لمطالعة كتب وألعاب، هنا حديقة صغيرة لما يتسنى زرعه، وهنا الأسُ والأساس ميراث صاحب البيت منحوتات ولوحات تشكيلية، وثائق، وكتب، وأعمال مرئية، على صفحتها بالفيس بوك سيرة صباح مساء، مشروع البيت «بيت على قانة الثقافى»، ليوم تحكى فيه كيف مر بها عن ولأجل البيت، أنجزت أم، ولم تنجز معللة الأسباب، عن مشجعين زملاء هواية ومهنة، أصدقاء وصديقات الاستشارة والمساعدة والدعم، كتبت لمتابعيها: أتلقى مساعدة بالمعرفة، مساعدة بالخبرات والمهنة، مساعدة مالية، سأحفظ للعمل «نكهته الأهلية» المجتمع وأصدقاء المشروع، هادية تدير ظهرها بل عينيها وسمعها عن كل شيء عدا البيت، بيت على قانة الفنان الأب الذى أحبه الليبيون، فى المحيط وخارج دائرة انشغالها ظروف أمنية واقتصادية ومجتمعية تُحبط أكثر مما تدفع باتجاه منجز خاص مستقل ضمن مشروع ثقافى وطنى يتاح اليوم يحفظ ذاكرة، ويكرم رواد ويرسخ فى الأجيال تجارب تحققت بالمثابرة والأصرار، هكذا مشروع كان حلم سراب لعقود مضت، صار اليوم فى المُكنة وهادية لن تهدأ!.
«هادية على قانة» قالت فى مقابلة معها سنعمل حسب الظروف مثل عود الخيزران ننثنى ونميل لكننا مستمرون، هادية كما الخيزرانة مرونةً فى انفتاحها على كل طموح مبادر، وصلابة إصرار فى إدارة منجزها هى الفنانة التشكيلية والأستاذة فى فن الخزف والنحت، انطلقت من فكرة لمعت، أحالتها دون تردد إلى صرح، أعلنت عنها لأناس مُهتمين فلبوا نداء الانحياز للفن والجمال، ومتطوعين شغوفين بأن يقوم أساسهُ على قدر وقيمة من ستُحيا ذكراه وأنفاسه من خلاله، فنان الوطن: على قانة من جيل الريادة فى الفن التشكيلى الليبى (1936-2006) ولد بطرابلس ودرس بأكاديمية روما 1957، متخصصا فى مجال النحت، وعاد معلما بمعهد ابن منظور ثم أستاذا بكلية الهندسة قسم العمارة، وكلية الفنون والإعلام، وعُين مستشارا بمشروع تنظيم المدينة القديمة بطرابلس، أنجز منحوتتين لشاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي، وشيخ الشعراء أحمد الشارف.
وتعود الابنة الفنانة «هادية» عبر بيت الأب الفنان بيت العائلة (بجنزور غرب طرابلس) لتجعل منه فضاء ثقافة وفن لكل مُريد، تنشرُ والبيت ما زال فى طور العمل وتُطل ببساطة وعفوية بملابس ورشة مشروعها صور من تستقبلهم أفرادا، وجماعات، منظمات مدنية، تبث رسالتها النموذج الفاعل، تعالوا هنا موقع العمل أن تنجز مبادرتك بما يتاح من خيارات صغيرها وكبيرها، ما يتوفر من مواد خام أو مستعملة ويعاد الانتفاع بها، هادية اعتزمت ألا تطلب دعما حكوميا لتدعو إلى إعمال الذهن كما الجسد وقبلهما الخيال والحدس.
فى ظروف الانتقال والتغيير تمر المجتمعات باختبار لهمتها وإرادة النهوض لديها، ويحضر فعل المقاومة للظروف المترتبة على ذلك الانتقال، وفى حالنا الليبى هو انتقال من وضع لا يستند على تركة أو إرث مؤسس لفعل ومنجز الفرد أو الجمع الطموح فما شاع بيئة نابذة طاردة (لا مؤسسات ثقافية خاصة!) وعلى ذلك نحتاج إلى أنفس تواقة ناهضة تُعمل العقل والإرادة وتواجه تيار الانتكاسة والاستسلام للراهن، هو فعل مواجهة ما يُشيع ويُسَودُ السخط والعنف والإرهاب كسرا لإرادة الحياة، بل لإرادة الإنسان الذى وجد لكى يعمر فى الأرض، وفيما نمر به ولسنا الأولين، فالتاريخ والأدبيات تطالعنا بالفاعلين باتجاه الحياة فى قلب المعركة كما وبعدها، تحتاج الأوطان إلى أبنائها المبادرين الفاعلين ساعة استقرارها كما وانتكاستها لتنهض من جديد كما تنهض هادية ومساندوها ببيت قانة للثقافة والفن.