تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تابعت قبل أيام برنامجًا على شاشة فضائية مصرية يتناول آفاق التعاون بين مصر ودول أفريقيا، خاصة دول حوض النيل، ما جاء بالبرنامج يفتح المجال لنفكر معًا، لماذا كل هذا الغياب المصرى عن أفريقيا؟ وكيف تشكلت تلك الفجوة فى عقولنا كمصريين، ولا نريد الاقتناع بأن مجالنا الحيوى فى الاقتصاد والسياسة والأمن القومى هو البعد الأفريقى، صورة مشوهة رسمها الزمن فى عقول الناس، لا ترى فى أفريقيا سوى شبح المجاعة والحروب الأهلية وهجرة شبابها إلى أوروبا فى مراكب الموت.
قبل عامين وبالتحديد فى أغسطس 2016 تم افتتاح مجزرا للحوم نفذته مصر فى أوغندا، وقرأنا وقتها أن المجزر يُعد أكبر مجزر آلى فى القارة الأفريقية، ويعتمد على السعر الزهيد للماشية هناك، ليتم تجهيز اللحوم وتصديرها إلى مصر من خلال طائرات شحن، اللافت للانتباه أن الذى افتتح المجزر هو الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى بشخصه، مع مشاركة قيادات مصرية، وهو ما يدل على أهمية المشروع وضرورته للبلدين، كل هذا رائع وجميل على المستوى النظرى، ليبقى السؤال الأهم.. هل انعكس هذا الإنجاز على الشعب المصرى؟
فى ظنى لم ينعكس هذا المجهود على الناس، لتعرف أن الذراع المصرية التى امتدت إلى العمق الأفريقى عادت ومعها بعض الخير للناس، وهو ما يشير إلى حلقة مفقودة فى علاقة مصر بهذه الدول الاستراتيجية بالنسبة لنا، ربما تتبلور تلك الحلقة فى بواقى البيروقراطية المصرية التى ما زال يعشش بعضها فى مختلف المؤسسات، وربما يكون انعدام الشفافية وغياب الإعلام عن توثيق وشرح ما يدور فى عمق القارة ليعرف الناس إلى أين نحن ذاهبون.
التجربة اللبنانية فى السفر إلى دول أفريقيا المختلفة هى تجربة ملهمة، والمعروف بالقطع هو أن «الشوام» بشكل عام هم الأكثر خبرة فى مجال التجارة والمبيعات والبزنس، لذلك اتجهوا إلى أفريقيا مبكرًا واستطاعوا تأسيس علاقات اقتصادية وطيدة؛ فعلينا الاستفادة من خبراتهم فى تلك المجالات،وهذا ليس عيب أبدا؛ ونقول بعلو الصوت آن الآوان للتحرك الشعبى المصرى فى عواصم دول حوض النيل، وتغيير الصورة النمطية المريضة التى تسكن عقول الغالبية منا، نقرأ عن رحلات تنظمها بعض الجامعات إلى دول أوروبا وغيرها فلماذا لا تتجه مثل تلك الرحلات إلى العمق الأفريقى لاكتشاف روعة القارة وإمكانياتها التى ما زالت فى طور الاكتشاف؟
الجدية فى التحرك الشعبى لازمة وضرورية، فالطموح الذى يمتلكه الناس بمصر قادر على تغيير ملامح الخريطة، وهى ليست مخاطرة فى كل الأحوال، فهى إلى جانب كونها رحلات عمل واكتشاف آفاق استثمارية فهى أيضًا رحلات للوعى والمعرفة والثقافة، فليس من المعقول أن يكون عدد أعضاء العاملين فى السفارات المصرية هناك أكبر من عدد أعضاء الجالية المصرية، هذه ظاهرة غريبة لا بد أن تنتهى، وأن نقول بوضوح إما تلك السفارات قد فشلت فى مهمتها وصار العاملين يشكلون حملًا زائدًا على ميزانية الدولة، أو نعلن عن خطة متكاملة يشارك فيها عدد من الوزارات والجامعات للتحرك فى تلك البلدان التى هى الأقرب لنا جغرافيًا وتاريخيًا.
وكما أقول دائمًا، الأفكار ملقاة على قارعة الطريق، يبقى فقط من يأخذ زمام المبادرة والتحرك الذى أثق فى جدواه، وحتى لا يرد علينا أحدهم بقوله إن الإمكانيات المادية لا تسمح بمثل تلك التحركات، أقول إن المشاركة الشعبية كمنهج قادر على الحل، ولو لدينا رجال أعمال مهتمون فعلًا بالشأن الوطنى لشاركوا فى تنظيم مثل تلك الجولات التى أزعم أنها مهمة وضرورية، فالتواصل المعرفى يبنى الثقة ويحل الخلافات ويساهم فى تقريب وجهات النظر وينقل الخبرة.
الملفات العالقة كثيرة ومتشعبة، وطالما ننظر على عناوين الملفات من على غلافها، سيتواصل الغياب، فقط نريد مبادرة جديدة وجادة لتتحرك المياه فى النهر العظيم.