تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
القبيلة فى الاصطلاح الاجتماعى وبما يرد فى الموسوعة ما يشير الى أنها جماعة (دم وقرابة) توحدها خصائص اجتماعية وثقافية تستقر فى جغرافيا (أرض) قد تتغير لظروف تتعلق بالكلأ والمرعى (كان الترحال سِمتُها)، أما سياسيا وهذا هو عصبُها فكبيرها ورأسها شيخها، ممثل السلطة الرسمية وبمن يستعين بهم من ذوى الوجاهة والثقة، شيخها من يملك الرأى والقرار، يوحد الجماعة ويبعد روح الفرد إذا ما نزع إلى ممارسة عنف أو إحداث إخلال وخرق لأعراف تعاقدية، وعلو موقع «كبير القبيلة» يُلزم الأفراد بالارتباط روحا وجسدا منخرطين تحت المظلة القبلية، منفذين لإرادتها بل يمارس قانونها عقابا رادعا لكل فرد مخالف لا ينضبط بأعرافها بل يصل الأمر إلى حد النفى والطرد من رحمتها، ليصير دمه مهدرا. وعلى ذلك لكى يكون للقبيلة دور يجب أن تبرز فاعلية وأثر قرار وقانون شيخها إصلاحا وحلا لخلافات كما امتثال غير مشروط لأفرادها هذا ما يحفظ دور القبيلة ويظهر أثرها على كل المستويات.
أستهل بهذا مستعيدة أنى أينما يممت وجهى منذ الثورة الليبية (فبراير 2011) قرأت وسمعت من يضع أن ليبيا رازحة تحت وطأة القبيلة، وأنها مرتكز نمطى للمجتمع الليبى باق إلى يومنا هذا!، وكنت ضيفة حوارات بقنوات عربية فيُطرحُ على سؤال «القبيلة فى ليبيا» كونها حاجبة إقرار الدستور كما أولا هى مانعة الاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادي، بل يكتب ويقول ذلك جازما من يُدرجون ما يرفق بأسمائهم أنهم خبراء مختصون فى الشأن الليبي، ونحن من عشنا سنينا، وكان هناك الكثير مما يطرح عن ليبيا وأوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية والحقوقية ولعقود لا يتذكرنا خبير، واستغربت ذات عام تسعينى أن سأل سائل فى برنامج مسابقات عربي: ما أغنى دولة وأفقر شعب؟ وكان الخيار الصائب هو مربع ليبيا.. وأخيرًا صرنا خيارا فى معلومة عابرة!.
فى تاريخ ليبيا ما قبل التحرر من الاستعمار، واعتماد أسس الدولة وبنية المؤسسات وأثر النفط تمركزت قبائل كان لها أدوار جهادية وسياسية وتوزعت على جغرافيتها الواسعة، بل بعض قبائل ليبية لها جذور وامتدادات فى دول جارة كمصر وتونس والجزائر والسودان وهنا سأشير إلى صعود المد القومى الذى ساهم فى خفوت دينامية القبيلة، وأشك فى أن يعرف تلك القبائل الخبراء فى شأننا، فلم أقرأها ولا سمعتها عنهم وتبدو لاغية، وأبعد ما تكون عن خبرتهم بشأننا فلا تجدهم حتى يدرجون أمثلة عنها وما موقعها فى «راهن» الأزمة الليبية إذا كانت أصلا تمثل أُسا مُسببا أو علة!، أطراف الأزمة الليبية اليوم، وفى خضم الصراع على السلطة والثروة يخرجون من مدن معروفة يتفقون كما يختلفون، كما حين خرجت الثورة الليبية 2011، رجالا ونساء لم يتذكر الإعلام وقتها من أى قبيلة خرج كل هؤلاء المتظاهرين فى ساحات مدن ليبيا، وحتى حين اعتمدت المحاصصة لأجل تسلم مناصب حكومية كان النظر للجغرافيا لانتفاء القبيلة.
ما يتداعى إلى ذهنى فى خضم إعلام تضخيم القبيلة الليبية، وعن اختلال نسقها بين فصل ووصل ما أدى إلى هشاشة حضورها فى جيلي، ساعة تجاوزت المرحلة الإعدادية ثمانينيات القرن الماضى جرى إعلان أنه علينا أن نتجه إلى مبنى تعليمى ونملأ استمارات برغبتنا فيما نريد الاتجاه إليه من معاهد أو ثانويات، ما كان مهما فى استمارة ذلك اليوم خانة وهى القبيلة، رفيقات لى وقعن فى حيرة فكتبن أسماء مدنهن التى ينتمى إليها أباؤهن: الزاوية، مصراته، بنغازي، بنى وليد.. ولاحقا وأنا طالبة منتصف التسعينيات بقسم الدراسات العليا كلية العلوم الاجتماعية «تنمية مجتمعات العالم الثالث» صارحنا المحاضر المقرب من السلطة بما يشى بمنهجية تطال محو القبيلة وأبعاد دورها المفترض لغاية سياسية، والذى منه إيجابى كموحدة للجماعة ومعززة لقيم الشجاعة والكرم والسؤال عن حاجة فردها والدفاع عما يطاله من خطر ولعله ما نحتاجه اليوم ولا يحضر مع حضور السلاح!، وفى خضم ذلك التسريب من محاضرنا قامت طالبة معنا وذهبت باتجاه أن معطى وجود «القبيلة» بما نعرفه اصطلاحا شهد ضعفا فى دورها منذ ظهور النفط والتنمية والتحديث، الذى أحال القرى إلى مدن صغيرة تغيرت حتى جغرافيتها ومعمارها كما علاقات أفرادها، والانتقال والهجرة جنوبا- شمالا، لأجل فرص العمل وترتب عنه المصاهرة والاختلاط والاستقرار، لعله مرونة القبيلة فى التأقلم، ما نتج عنه الذوبان فى بنية المدينة. أهل المدن الأطراف فى العاصمة الحاضنة، كما ذوبان كل من نزلوا للتعليم والعمل فى مدن كبنغازى التى فى يومنا وقبلها نسيج متشابك من مختلف مدن وقرى وقبائل ليبيا، وعلى ذلك عندما تنتفى وتغيب اشتراطات فعل القبيلة بمكونها السياسي (ولاء الفرد لسلطتها) يصبح التعويل والإلحاح الإعلامى على رسوخ الدور والأثر فى الأزمة الليبية كأنه فعل فاعل واهم متقصد لا غير.