شاركت منذ فترة فى مناقشة أول رسالة ماجستير لباحثة صينية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وهى الباحثة لو تشاو تشاو Lu Chao Chao، وكانت رسالتها التى نالت عنها درجة الماجستير فى الإعلام من قسم الصحافة، بتقدير ممتاز، بعنوان: «وسائل الإعلام الاجتماعى فى الصين: دراسة للاستخدامات والإشباعات بالتطبيق على طلاب جامعتى بكين وجامعة الاتصالات الصينية»، وقد قامت الباحثة بإعداد أطروحتها تحت إشراف أ. د. محمود علم الدين، أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال بإعلام القاهرة. ورأيت أنه من المفيد أن أعرض التجربة الصينية المتفردة فى التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعى سواء ابتكارًا وإبداعًا أو استخدامًا وتطبيقًا.
والمبهر فى التجربة الصينية مع شبكات التواصل الاجتماعى أنها تجربة خرجت من إسار التبعية للتجربة الغربية فى هذا المجال، والتى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وتصدر بها أفكارها أو تروج لأفكار أخرى قد تضر بحضارات الدول التى لا ترضى عنها أو ترغب فى تفتيتها، ويكفى الإشارة فى هذا المجال إلى حسابات تنظيم «داعش» على موقع «تويتر»، والتى أدت إلى استقطاب كوادر من 85 جنسية مختلفة للانضمام إلى صفوف التنظيم، الذى لا زلنا نطارد فلوله فى سوريا والعراق وليبيا حتى الآن. وقد تعجب عزيزى القارئ أنه لا يوجد فى الصين «فيس بوك» أو «تويتر» أو «إنستجرام» أو «جوجل» ومنتجاته المختلفة، فقد أرادت الصين منذ البداية ألا تكون تابعة للولايات المتحدة فخاضت تجربتها الوطنية الخاصة فى «تخليق» شبكات تواصل اجتماعى وطنية خاصة بها، وهى تلقى إقبالًا وتفاعلًا جماهيريًا منقطع النظير.
ونحن فى هذه السلسلة من المقالات نعرض التجربة الصينية فى شبكات التواصل الاجتماعى، بالتزامن مع وجود جهد مصرى أشار إليه وزير الاتصالات، بإنشاء شبكة تواصل اجتماعية مصرية، على غرار فيس بوك «الفيس بوك» المصري، وهذه نية طيبة، ولكنها فى حاجة إلى مزيد من العمل والجهد مثلما بذلته الصين فى إنجاح تجربتها الوطنية فى هذه السبيل.
تُعد الصين أكبر الدول فى العالم من حيث عدد السكان، حيث إن عدد سكانها الضخم أكثر من مليار وثلثمائة مليون نسمة، مما يجعل الصين هى السوق الأكبر لمواقع التواصل الاجتماعي. لقد قررت الحكومة الصينية إنشاء نظام يتحكم فى استخدام الإنترنت داخل الصين، حيث قامت بحجب عديد من المواقع الغربية والأجنبية، مستخدمةً جدارًا ناريًا ضخمًا، مما يجعلها أيضًا من أكثر الأسواق تفردًا فى مجال التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من التحديات التى تواجه الصين فى استخدام الإنترنت باعتبارها دولة ذات اقتصاد ناشئ (متوسط الدخل السنوى للفرد الواحد هو فقط أقل من 7،000 دولار وفقا لبيانات البنك الدولي)، فإن هناك أكثر من 649 مليون مستخدم للإنترنت فى الصين، أى ما يمثل نسبة 45.8 % من إجمالى عدد السكان حسب إحصاءات مركز معلومات شبكة الإنترنت فى الصين.
ومن أبرز المواقع التى تم حجبها فى الصين Facebook، Twitter،Instagram وأى خدمة أو موقع متعلق بـ google مثل google+ وgmail youtube، وخلق هذا الحجب فرصًا كبيرة للشركات والمواقع الصينية المحلية مثل: Tencent،Baidu، Alibaba، SinaWeibo وغيرها من الشركات والمواقع المشهورة فى الصين.
وقد تطورت مواقع التواصل الاجتماعى تدريجيًا منذ وجود منتديات BBS فى عصر Web1.0، وهى وسيلة لإبداء الرأى للمتلقين وإتاحة الفرصة لتنوع الأفكار والآراء، كما أنها وسيلة لتجميع مختلف أنواع المعلومات فى مكان واحد فى صورة المنتديات. وتم إنشاء أول منتدى فى الصين فى شهر مايو عام 1994، حيث أُعلن عن بداية الـ BBS، وكان المنتدى يحتوى على الخصائص الأساسية لإرسال المعلومات، بالإضافة إلى ما نعرفه الآن من المجتمعات الافتراضية والتراسل الفورى وغرف الدردشة وغيرها من الأشكال البدائية من أنماط التواصل على الإنترنت. وقد أتاحت ولادة المنتديات مساحة جديدة من التفاعل، حيث أصبح المواطن العادى قادرًا على استخدام التفاعل مع الغرباء، وليس فقط مستقبلا للمعلومات التى يفرضها الإعلام.
وبعد المرور بمرحلة نشأة المنتديات اعتمدت وسائل التواصل الاجتماعى على أنشطة التسلية والترفيه حتى تطور بشكل مستديم؛ ففى عام 2004 تم نسخ العلاقات الاجتماعية فى أرض الواقع إلى العالم الافتراضى لتكوين ولادة النسخة البدائية من Facebook، ليبدأ رسميًا عصر Web2.0. وقد ظهر عديدٌ من مواقع التواصل الاجتماعى الصينية على اختلاف أشكالها تأثرًا بتطور مواقع التواصل الاجتماعى العالمي، حيث ظهرت مواقع مشاركة الفيديوهات ومجتمعات التواصل الاجتماعى SNS ومواقع الأسئلة والأجوبة ويكيبيديا... وغيرها.
فى عام 2005، تم إنشاء موقع Renren، وفى عام 2008 تم إنشاء موقع Kaixin ليدشنوا شبكات التواصل الاجتماعى بالصين. وقام عدد من المستثمرين آنذاك باستثمارات ذات حجم كبير ما بين 2006 و2008.
فى أغسطس عام 2009، أطلقت شركة Sina موقع Weibo الذى يدعم خواص مثل إرسال حالة لا تتعدى 140 حرفًا، مشاركة الصور والصوتيات والفيديوهات مع إمكانية التفاعل معها والتعليق عليها، مما جعل هذا النوع من المواقع يجذب عددًا هائلًا من المستخدمين، مما دفع بالطبع الشركات المنافسة الكبيرة مثل: Tencent وNetease وSoho إلى السير على النهج نفسه.
ومع تطور إنترنت المحمول، سرعان ما اتحدت منتجات التواصل الاجتماعى ذات المعلومات المصغرة مع الخدمات التى تعتمد على تحديد الموقع (LBS)، وغيرها من خدمات المحمول لتظهر منتجات مثل M Chat وWeChat وغيرها من تطبيقات المحمول. وبجانب ذلك لا يمكن إغفال عصر Solomo (Social-Mobile-Local)؛ حيث أصبحت الخصائص الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من جميع المنتجات، حيث أصبح من الصعب تعريف ماهية التطبيق الاجتماعى بطريقة دقيقة.
ولم يبدأ عصر مواقع التواصل الاجتماعى الرأسية بعد ظهور الوسائل الثلاث السابقة، بل كان موجودًا فى الوقت نفسه، وتعد من الأشكال الرئيسية لهذه المواقع هى المواقع المتعلقة بالألعاب والتسوق الإلكترونى والتوظيف، يمكن اعتبارها أنها تجربة مختلفة للنمط التجارى الخاص بالمواقع الاجتماعية. إن الاتصال القوى بين الشبكات الاجتماعية العمودية ومفاهيمها فى نمو مستمر، حيث تبدأ باشتراك مجموعة فى مطلب معين، ثم تأخذ فى التفرع والتخصص.
وفى المقال المقبل.. نتناول الواقع الراهن لشبكات التواصل الاجتماعى فى الصين.