الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

23 يوليو.. ثورة أحرار «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق رأينا كيف كانت مصر تعانى شظف العيش قبل 52، وذلك فى ظل ديون متراكمة منذ عهد إسماعيل أدت إلى احتلال غاشم جثم على صدورنا أكثر من سبعين عامًا مع سيطرة رأسمالية لطبقة الباشوات، ورأينا أيضًا كيف عانى الفلاح المصرى من قسوة الإقطاع وكانت غايته الحصول على حذاء يقيه برد الشتاء ويقيه الطين الذى تسللت منه دودة البلهارسيا إلى جسده، وبالمناسبة فإن الأمراض الكبدية التى انتشرت خلال الأربعين عامًا الماضية هى التطور الطبيعى للبلهارسيا والتى نهشت أجساد المصريين قبل 52، بالإضافة إلى وباء الكوليرا والسل، وفى ظل الملكية أيضًا عانينا فسادًا غير مسبوق، فالرشاوى كانت تدفع علنًا لنيل الباكوية والباشوية، وقد فضح السياسى المخضرم مكرم عبيد فى عام 43 بعض الساسة الكبار وذلك فى كتابه الذى أسماه «الكتاب الأسود»، ولمن لا يعرف فإن محكمة الثورة التى أقيمت بعد 52 لمحاكمة رموز الملكية قد اعتمدت فى بعض الاتهامات على ما ورد بهذا الكتاب وقد ثبت بعضها، وكانت أصوات الناخبين تشترى وتباع بينما الملك يلهو فى الأوبرج كل ليلة وحوله الحسناوات، صحيح أنه قد ثبت عنه عدم شرب الخمر ولكن الثابت أن علاقاته الغرامية كانت حديث الصحف العالمية، وكم من امرأة طلقت بسببه، وكم من فتاة قتلت والحقيقة أن المساحة هنا لا تكفى للحديث عن غراميات فاروق التى استمرت حتى بعدما غادر مصر إلى منفاه فى إيطاليا حيث مات على طاولة بإحدى الملاهى هناك، وكانت الدعارة مقننة حتى عام 49 وعلى العاهرة الحصول على ترخيص من الحكومة بممارسة البغاء وإلا عوقبت بالحبس، أما القوادة فهى ملتزمة بدفع الضريبة التى حددها قانون تنظيم الدعارة، وكان شارع كلوت بك يعج باللافتات المكتوب عليها «بيت دعارة».
أما نسبة الأمية فى مصر فقد وصلت قبل 52 إلى أكثر من 80%، فالتعليم لمن يملك مالًا، وليس من حق الفقير أن يتعلم ولولا أن الأغنياء وأبناء الذوات أحجموا عن دخول الكلية الحربية ما التحق جمال عبدالناصر بها هو ورفاقه، لا سيما أن الجيش كان فى أمس الحاجة إلى ضباط جدد، ورغم ذلك فقد اعترف عبدالناصر أنه دخل الكلية الحربية بالواسطة، وأما الأحزاب السياسية فحدث ولا حرج، فلقد وصل الصراع بينهما إلى ذروته فلجأ كل حزب إلى تكوين خلية مسلحة، هدفها المعلن مقاومة الاحتلال الإنجليزى أما الحقيقة فكانت اغتيال الخصوم من المصريين، ولم تعرف مصر الاستقرار يومًا قبل 52، فالمظاهرت مستمرة والاعتقالات لا تنتهى، والبوليس السياسى يواصل عمله بكل قوة وحزم، وكان الفلاحون يشربون من مياه الترع فلا مياه نظيفة تصلهم ولا كهرباء، ولا شك أن كل هذه الأوضاع قد أدت إلى هزيمتنا فى 48 لتضيع فلسطين، وأدت أيضًا إلى حريق القاهرة فاشتعل الغضب بداخل نفوس أبناء الوطن وتحرك الجيش فى صباح الثالث والعشرين من يوليو لتستيقظ الأمة على صوت البكباشى أنور السادات وهو يتلو بيان الثورة: «بنو وطنى.. اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين.. إلخ البيان».
وما هى إلا ساعات قليلة ويخرج الشعب بمئات الآلاف فى كل أرجاء مصر مؤيدًا للثورة وداعمًا لحركة الجيش المباركة وهاتفًا للوطن الذى طالما عانى من حكم الأجانب، ووصل الخبر سريعًا إلى جلالة الملك الذى كان يقضى شهور الصيف بالإسكندرية، واختار الجيش على ماهر باشا ليبلغه بضرورة التنازل عن العرش وإنذاره بالرحيل عن مصر، وبعيدًا عن تفاصيل ما حدث عقب الثورة التى أعلنت عن مبادئها الستة فى وقت لاحق وهى «القضاء على الإقطاع، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال، بناء حياة ديمقراطية سليمة، بناء جيش وطنى، إقامة عدالة اجتماعية» بعيدًا عن كل هذا فقد أعلنت جماعة الإخوان تأييدها الكامل للثورة واحتفلوا بها وكتبوا عنها أشعارًا وقصائد حتى هبت رياح الخلاف بعد عامين، حيث طالبوا عبدالناصر بتعيين خمسة وزراء من أعضاء الجماعة بينما اكتفى عبدالناصر بوزيرين، فقرروا الانسحاب من الحكومة وفصلوا الشيخ الباقورى لأنه وافق على الانضمام للوزارة، وتحول عبدالناصر فى نظرهم إلى كافر وزنديق وقاتل، وبدأوا فى مفاوضات سرية مع الإنجليز لإفشال معاهدة الجلاء، وأنا لا أكتب هذا دفاعًا عن عبدالناصر، ولكنى أرصد تاريخًا حدث بالفعل ونراه يتكرر الآن مرة أخرى دون تغيير، والمدهش أن البعض ينساق وراء هذه الأكاذيب التى تروج لحياة ما قبل 23 يوليو، والسؤال لو كانت الحياة فى مصر قبل الثورة جميلة كما تدعون فلم تفاخرون بأنكم شاركتم فى ثورة 52 ولولاكم ما نجحت؟ ولماذا يدعى بعضكم أن عبدالناصر كان عضوًا بالجماعة؟.
بقى أن نشير إلى أن أزمة مارس 54 هى التى جعلت مجلس قيادة الثورة يستمر فى الحكم بعدما اتخذ محمد نجيب قرارًا بالعودة إلى الثكنات وتسليم البلاد إلى الأحزاب، حيث خرج العمال وأتوا من كل فج عميق وقاموا بأعمال شغب، وتوقفت خلالها المصانع والمواصلات، وهتف الجميع لا للديمقراطية، لا لعودة الأحزاب ورفعوا الشعارات التى تطالب الجيش بالاستمرار فى الحكم وعدم العودة إلى حياة ما قبل 52، وكتبت النخبة مقالات فى الصحف تطالب الجيش بأن يتحمل المسئولية الوطنية وأن يستمر فى الحكم، واستمرت المظاهرات عدة أيام متواصلة والتى سنتحدث عنها تفصيلًا فى مقال لاحق ولكنها انتهت بموافقة الجيش على مطالب الشعب خشية إعادة إنتاج النظام القديم.