كتب مونديال 2018 في روسيا، والذي اختتم مساء أمس الأحد، صفحة ممتعة في ثقافة البهجة الكروية وتاريخ الساحرة المستديرة على امتداد العالم.
وإذ عانقت فرنسا كأس العالم لكرة القدم للمرة الثانية بتاريخها، فإن المستطيل الأخضر لاستاد "لوجنيكي" في موسكو، الذي شهد المباراة النهائية في البطولة العالمية بين منتخب الديوك الفرنسي والمنتخب الكرواتي شهد بدوره ذروة البهجة والإثارة الكروية لمونديال 2018 الذي اعتبر "أفضل مونديال في التاريخ" حسب وصف جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا".
وكرة القدم تعني في المقام الأول "البهجة" في منظور بعض المثقفين في الغرب مثل الكاتب سيمون كوبر الذي رأى أن ليالي العرس الكروي العالمي الأخير في روسيا ستبقى محفورة في ذاكرة العالم، فيما استشهد بأفراد عائلته ومشاهد الفرحة التي عاينها في "ساحة الجمهورية" بالعاصمة الفرنسية باريس والتي يجيء لها الفرنسيون على بكرة أبيهم ليحتفلوا بعد كل فوز يحققه منتخبهم الوطني في المونديال حتى التتويج بلقب البطولة بعد الفوز الكبير على المنتخب الكرواتي الباسل بأربعة أهداف مقابل هدفين.
وسيمون كوبر الذي يكتب في جريدة "فاينانشيال تايمز" البريطانية هو صاحب عدة كتب عن كرة القدم من بينها "اياكس: القصة الغريبة لكرة القدم خلال ساعة أوروبا الأكثر حلكة" و"كرة القدم ضد العدو" وصاحب ملاحظة صائبة حول المونديال في روسيا الذي ازداد بهجة لعدم حدوث أي أعمال عنف من جانب المشجعين في المدرجات.
ومع أن الكاتب سيمون كوبر بريطاني الجنسية فإن أبناءه الذين ولدوا في باريس شجعوا منتخب الديوك بحماس طوال العرس الكروي العالمي الذي اختتم مساء أمس ليبقى بتنظيمه المتقن علامة إيجابية في سجل الدولة الروسية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
ولعل مشاركة عدد وافر من اللاعبين المنحدرين من أصول أفريقية مثل كيليان مبابي وبول بوجبا في فوز المنتخب الفرنسي بلقب بطولة كأس العالم للمرة الثانية تشكل ردا على نعرات التعصب العرقي التي يغذيها اليمين الشعبوي الصاعد في فرنسا وغيرها من بلدان القارة الأوروبية كما يلاحظ سيمون كوبر.
فهؤلاء اللاعبون يصنعون "صيفا ذهبيا" للفرنسيين بعد اقتناص لقب بطولة كأس العالم لكرة القدم للمرة الثانية منذ مونديال 1998 الذي شهد تألق النجم الجزائري الأصل زين الدين زيدان وها هي الفرحة تعم بين الفرنسيين في كل مكان، كما تبدى مساء أمس في المعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة الذي استقبل العديد من أفراد الجالية الفرنسية لمشاهدة المباراة النهائية لمونديال 2018 عبر شاشات العرض التلفزيوني الكبيرة.
والمشاهد التي توالت عبر مونديال 2018 الذي بدأ يوم 14 يونيو الماضي أكدت من جديد على أن كرة القدم تعني البهجة ولذة النص الكروي على المستطيل الأخضر وفي بهجتها يكمن سحرها كما رأينا في هذه البطولة التي توج بها الفرنسيون بعد فوزهم على المنتخب الكرواتي في ليلة مبهجة من ليالي الساحرة المستديرة.
وإذا كانت المتعة البريئة هدف في حد ذاته لأي عاشق لكرة القدم كلعبة الجمال والمجد والانتصار للحياة فإن تاريخ الفلسفة الذي مازال يحتفظ بمقولة الفيلسوف اليوناني الأعظم أفلاطون "يمكنك أن تعرف شخصا ما من طريقة لعبه لمدة ساعة بصورة أفضل من معرفته وهو يتحدث لمدة عام، كما أن الذاكرة الثقافية لن تنسى مقولة أديب أورجواي الشهير ادواردو جاليانو "قل لي كيف تلعب وأنا أخبرك من أنت".
والبهجة في عالم كرة القدم موضع اهتمام من كتاب وفنانين مثل ادم فيشر المنهمك في طروحات وإبداعات حول الساحرة المستديرة والفرحة وكذلك أبدع المخرج الأمريكي رايان وايت في فيلمه الوثائقي "بيلادا" الذي يظهر قدرة الساحرة المستديرة على تبديد الأحزان سواء لأطفال بؤساء في مناطق عشوائية بدول أفريقية أو حتى لنزلاء السجون في بلد أمريكي لاتيني كبوليفيا وهو يرصد أيضا تلك "الحميمية" التي تخلقها كرة القدم بين أشخاص كانوا غرباء عن بعضهم البعض وفرحة اللاعبين عندما يسجلون أهدافا.
وبعض المثقفين ينظرون لكرة القدم بوصفها "لعبة المجد" كما قالها الكاتب البريطاني هونتر ديفيز والذي شكل في كتاب منذ نحو 45 عاما بهذا العنوان دراما من مشاعر اللاعبين ما بين توتر وخوف وقلق وسعادة.
ودون مشجعين تفتقر كرة القدم للكثير من أسباب البهجة كما يشير الكاتب ويل هوتون وهو أصلا كاتب متخصص في قضايا الاقتصاد، غير أنه يرى أن كرة القدم كصانعة للبهجة أعظم وأكبر من أعظم وأكبر ماكينة للنقود وتشجيع فريق لكرة القدم كما يوضح هو جزء من فكرة "نحن" أي "الهوية الجمعية الراسخة في المكان والتاريخ والثقافة".
وبطابع فأي فريق كروي لا يجد الطريق ممهدا على طول الخط وفي كل الأحوال كما يوضح الكاتب جوليم بلاجي فمنتخب فرنسا عرف الخسارة في مباريات، كما حقق انتصارات في مباريات وتعرض لمحن، كما زرع الفرحة في القلوب.
لكن أهم ما في الأمر أنه لم ينكسر أو "يتوقف عن النمو" حتى وهو يخسر هنا أو هناك لأن الخسارة كالفوز جزء لايتجزأ من كرة القدم كلعبة جميلة قد يكمن جانب من جمالها في استحالة توقع نتيجة أي مباراة على وجه اليقين قبل أن تبدأ وتنتهي مهما تفاوتت وتباينت المهارات والقدرات بين الفريقين المتنافسين وحتى لو كان أحد طرفيها قوة كروية عارمة تبدو أحيانا وكأنها قوة لاتقهر ومن يذهب إلى غير ذلك لا يدرك معنى الساحرة المستديرة وماهية الصراع بمعطياته المتعددة.
والساحرة المستديرة لاتعرف الدوجماتية أو جمود الأفكار بحكم انفتاحها دوما على كل الأفكار الجديدة ومخاصمتها للجمود، فيما يبقى المستطيل الأخضر هو المختبر لجدوى كل الأفكار والخطط الكروية..أنها اللعبة التي لايمكن لأحد أن يحدد بدقة نتائج مبارياتها قبل أن تنتهي، كما أنها بحق لعبة متجددة الفرص والتحديات معا ومن ثم فهي لا تقبل الجمود.
وبقدر الفخر بالانتماء للمنتخبات والفرق الكبرى فإن هذه المنتخبات والفرق تبقى بتاريخها العريق ولاعبيها ومدربيها موضع دراسات مستمرة باعتبار أنها حددت وما زالت تحدد مسارات الساحرة المستديرة حول العالم، كما يتجلى في كتاب "موسم في الأحمر: إدارة مانشستر يونايتد في ظل السير إليكس فيرجسون".
وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف جيمي جاكسون تأثير المدرب العملاق إليكس فيرجسون في فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي والذي يوصف بأنه "المدرب الأكثر نجاحا في بريطانيا" ويتوقف مطولا بالدراسة والتحليل لأهم قراراته التدريبية خلال عمله كمدير فني "للكتيبة الحمراء" ما بين عامي 1986 و2013 وكيف تحول فيرجسون الذي يقترب الآن من عامه السابع والسبعين إلى "جزء عزيز من قلب وروح نادي مانشستر يونايتد الذي أسس عام 1878 ومازال صاحب الرقم القياسي في عدد مرات الفوز ببطولة الدوري الإنجليزي".
والأساطير الكروية سواء كانوا لاعبين أو مدربين كإليكس فيرجسون تغري دوما بمقارنات مع من كان قبلهم أو جاء بعدهم، كما يتبدى بوضوح في هذا الكتاب الذي يشكل موسم 2014- 2015 صلبه ليعقد مؤلفه وهو كاتب كروي بصحيفتي الأوبزرفر والجارديان مقارنات مستفيضة بين أوضاع الفريق في ظل فيرجسون وأوضاعه التي تدهورت في ظل المدير الفني التالي ديفيد مويس، كما أنها لم تتحسن كثيرا في ظل قيادة المدير الفني لويس فان جال حتى جاء جوزيه مورينيو في صيف 2016 لقيادة فريق النادي الذي يحلو للبعض من مشجعيه وصفه بأنه "أكبر ناد في العالم".
وإذا كان مؤلف هذا الكتاب قد اجتهد في "تقصي الحقائق من الداخل وعمد للبحث وراء الكواليس للإجابة بمقاربات تحليلية معمقة على أسئلة وأسباب الاضطراب الخطير داخل فريق كبير بعد اعتزال مدرب عظيم" وإذا كان هناك مايدعو لمقارنة بين السير اليكس فيرجسون والبرتغالي جوزيه مورينيو المدير الفني الحالي للكتيبة الحمراء فإن هذه المقارنة لايجوز أن تكون في "المطلق وإنما تنظر بعين الاعتبار لاختلاف السياقات التاريخية بين زمن فيرجسون وزمن مورينيو فيما تبقى تلاوين البهجة مقترنة دوما بالساحرة المستديرة".
فكل ملاعب كرة القدم هي في أصلها ملاعب للبهجة البريئة وكل المنتخبات والفرق العريقة ومن بينها منتخب الفراعنة تسعى لإضافة المزيد من الأمجاد للتاريخ المجيد الذي يحمله كل من ينتمي لها في قلبه كمصدر إلهام وهي مسألة تختلف عن تحويل التاريخ مهما كان مجيدا إلى هاجس يطارد الحاضر أو قيد يأسر المستقبل وعبء يقصم الظهر.
وتلك المسألة تبدت في قلب نقاش حاد وجدل صاخب حول أسباب محنة منتخب عريق وصاحب تاريخ مجيد وهو منتخب هولندا الذي أخفق في الصعود لنهائيات المونديال الأخير في روسيا وهو الذي كان من قبل مصدر بهجة في بطولات كأس العالم وحل ثانيا في 3 من هذه البطولات وأن لم يفز بالكأس ولو مرة واحدة.
وتتفق جمهرة من النقاد والكتاب والمحللين الرياضيين على أن "الماضي تحول في الحالة الهولندية لعبء ثقيل على الحاضر والمستقبل، بينما يفتقر الفريق الحالي لذهنية الانتصار مع استغراق في الذكريات ومقارنات تاريخية مستمرة لحد الغرق في أمواج الماضي ومن هنا أصبح السؤال:"كيف ولماذا وما الذي يحدث بالضبط في الكرة الهولندية الجميلة والشاملة والمبهجة تاريخيا "؟!.
وذهب كتاب ونقاد مثل بيريا راميش إلى أن "التعلق بالماضي الذهبي للمنتخب البرتقالي بلغ درجة المرض الذي أدى لتدهور حاضر منتخب هولندا سواء من حيث الأداء أو النتائج" فالحنين للماضي أو "النوستالجيا" في الحالة الهولندية تجاوز بكثير الحد المطلوب والمعقول حتى بدا أن الحاضر أسير الماضي والتاريخ عبء بدلا من أن يكون مصدر إلهام لفريق في محنة، فيما يتردد السؤال الأليم بين الهولنديين:"لماذا لم تعد الأمور تسير كما كانت في الماضي" ؟!.
والمشكلة أن البعض يبحث عن تفسيرات وحلول مريحة لهذا السؤال في الماضي ذاته بسياقاته التاريخية بدلا من النظر لمعطيات الحاضر بسياقاتها المختلفة أو تحديات المستقبل على حد قول بيريا راميش.
وهكذا فالملاعب الهولندية التي أنجبت 4 أجيال من اللاعبين الموهوبين وأساطير مثل يوهان كرويف وفان هانجيم ورود خوليت وفرانك ريكارد وماركو فان باستن وكويمان وصولا لآرين روبين وويسلي شنايدر تبدو منذ عدة سنوات وكأنها أصيبت بالعقم وأمست عاجزة عن إنجاب مواهب استثنائية.
وهذه الظاهرة يفسرها بيريا راميش "بوجود مشاكل بنيوية عميقة في الكرة الهولندية التي تسلط عليها هاجس التعلق المرضي بالماضي".. والنتيجة: "أن الهولنديين شاهدوا مباريات مونديال 2018 على شاشات التلفزيون دون مشاركة في منافسات العرس الكروي العالمي ليجتروا ذكرياتهم المجيدة في هذا العرس الكروي العالمي الذي غابوا عنه، كما غابوا عن نهائيات بطولة أمم أوروبا في عام 2016".
واستخلاص الدروس من مونديال 2018 واجب الوقت الكروي في كل مكان حول العالم مع إدراك أن هناك ساعات للفوز وساعات للخسارة ولا أحد يستطيع التنبؤ بالنتائج سلفا وتلك طبيعة كرة القدم وربما أحد أسباب شعبيتها الطاغية كما يقول الناقد الكروي باولو بانديني.
ورغم كل التحديات القاسية فإن كرة القدم حتى في ذروة الدراما والنهايات المراوغة لايمكن أن تتخلى عن جوهرها المبهج وإلا فقدت ذاتها باعتبارها اللعبة الجميلة والمتعة التي قد لا تضارعها متعة أخرى بالنسبة لكثير من البشر في هذا العالم وجزء مهم من متعتها يكمن في عذابات اللحظات العصيبة ومفارقات البدايات والنهايات في رحلة البحث عن اللقب، كما تجلى في العرس الكروي العالمي الذي أسدل عليه الستار مساء أمس لكنه سيبقى طويلا في ذاكرة العالم وثقافة البهجة الكروية.
وإذ عانقت فرنسا كأس العالم لكرة القدم للمرة الثانية بتاريخها، فإن المستطيل الأخضر لاستاد "لوجنيكي" في موسكو، الذي شهد المباراة النهائية في البطولة العالمية بين منتخب الديوك الفرنسي والمنتخب الكرواتي شهد بدوره ذروة البهجة والإثارة الكروية لمونديال 2018 الذي اعتبر "أفضل مونديال في التاريخ" حسب وصف جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا".
وكرة القدم تعني في المقام الأول "البهجة" في منظور بعض المثقفين في الغرب مثل الكاتب سيمون كوبر الذي رأى أن ليالي العرس الكروي العالمي الأخير في روسيا ستبقى محفورة في ذاكرة العالم، فيما استشهد بأفراد عائلته ومشاهد الفرحة التي عاينها في "ساحة الجمهورية" بالعاصمة الفرنسية باريس والتي يجيء لها الفرنسيون على بكرة أبيهم ليحتفلوا بعد كل فوز يحققه منتخبهم الوطني في المونديال حتى التتويج بلقب البطولة بعد الفوز الكبير على المنتخب الكرواتي الباسل بأربعة أهداف مقابل هدفين.
وسيمون كوبر الذي يكتب في جريدة "فاينانشيال تايمز" البريطانية هو صاحب عدة كتب عن كرة القدم من بينها "اياكس: القصة الغريبة لكرة القدم خلال ساعة أوروبا الأكثر حلكة" و"كرة القدم ضد العدو" وصاحب ملاحظة صائبة حول المونديال في روسيا الذي ازداد بهجة لعدم حدوث أي أعمال عنف من جانب المشجعين في المدرجات.
ومع أن الكاتب سيمون كوبر بريطاني الجنسية فإن أبناءه الذين ولدوا في باريس شجعوا منتخب الديوك بحماس طوال العرس الكروي العالمي الذي اختتم مساء أمس ليبقى بتنظيمه المتقن علامة إيجابية في سجل الدولة الروسية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
ولعل مشاركة عدد وافر من اللاعبين المنحدرين من أصول أفريقية مثل كيليان مبابي وبول بوجبا في فوز المنتخب الفرنسي بلقب بطولة كأس العالم للمرة الثانية تشكل ردا على نعرات التعصب العرقي التي يغذيها اليمين الشعبوي الصاعد في فرنسا وغيرها من بلدان القارة الأوروبية كما يلاحظ سيمون كوبر.
فهؤلاء اللاعبون يصنعون "صيفا ذهبيا" للفرنسيين بعد اقتناص لقب بطولة كأس العالم لكرة القدم للمرة الثانية منذ مونديال 1998 الذي شهد تألق النجم الجزائري الأصل زين الدين زيدان وها هي الفرحة تعم بين الفرنسيين في كل مكان، كما تبدى مساء أمس في المعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة الذي استقبل العديد من أفراد الجالية الفرنسية لمشاهدة المباراة النهائية لمونديال 2018 عبر شاشات العرض التلفزيوني الكبيرة.
والمشاهد التي توالت عبر مونديال 2018 الذي بدأ يوم 14 يونيو الماضي أكدت من جديد على أن كرة القدم تعني البهجة ولذة النص الكروي على المستطيل الأخضر وفي بهجتها يكمن سحرها كما رأينا في هذه البطولة التي توج بها الفرنسيون بعد فوزهم على المنتخب الكرواتي في ليلة مبهجة من ليالي الساحرة المستديرة.
وإذا كانت المتعة البريئة هدف في حد ذاته لأي عاشق لكرة القدم كلعبة الجمال والمجد والانتصار للحياة فإن تاريخ الفلسفة الذي مازال يحتفظ بمقولة الفيلسوف اليوناني الأعظم أفلاطون "يمكنك أن تعرف شخصا ما من طريقة لعبه لمدة ساعة بصورة أفضل من معرفته وهو يتحدث لمدة عام، كما أن الذاكرة الثقافية لن تنسى مقولة أديب أورجواي الشهير ادواردو جاليانو "قل لي كيف تلعب وأنا أخبرك من أنت".
والبهجة في عالم كرة القدم موضع اهتمام من كتاب وفنانين مثل ادم فيشر المنهمك في طروحات وإبداعات حول الساحرة المستديرة والفرحة وكذلك أبدع المخرج الأمريكي رايان وايت في فيلمه الوثائقي "بيلادا" الذي يظهر قدرة الساحرة المستديرة على تبديد الأحزان سواء لأطفال بؤساء في مناطق عشوائية بدول أفريقية أو حتى لنزلاء السجون في بلد أمريكي لاتيني كبوليفيا وهو يرصد أيضا تلك "الحميمية" التي تخلقها كرة القدم بين أشخاص كانوا غرباء عن بعضهم البعض وفرحة اللاعبين عندما يسجلون أهدافا.
وبعض المثقفين ينظرون لكرة القدم بوصفها "لعبة المجد" كما قالها الكاتب البريطاني هونتر ديفيز والذي شكل في كتاب منذ نحو 45 عاما بهذا العنوان دراما من مشاعر اللاعبين ما بين توتر وخوف وقلق وسعادة.
ودون مشجعين تفتقر كرة القدم للكثير من أسباب البهجة كما يشير الكاتب ويل هوتون وهو أصلا كاتب متخصص في قضايا الاقتصاد، غير أنه يرى أن كرة القدم كصانعة للبهجة أعظم وأكبر من أعظم وأكبر ماكينة للنقود وتشجيع فريق لكرة القدم كما يوضح هو جزء من فكرة "نحن" أي "الهوية الجمعية الراسخة في المكان والتاريخ والثقافة".
وبطابع فأي فريق كروي لا يجد الطريق ممهدا على طول الخط وفي كل الأحوال كما يوضح الكاتب جوليم بلاجي فمنتخب فرنسا عرف الخسارة في مباريات، كما حقق انتصارات في مباريات وتعرض لمحن، كما زرع الفرحة في القلوب.
لكن أهم ما في الأمر أنه لم ينكسر أو "يتوقف عن النمو" حتى وهو يخسر هنا أو هناك لأن الخسارة كالفوز جزء لايتجزأ من كرة القدم كلعبة جميلة قد يكمن جانب من جمالها في استحالة توقع نتيجة أي مباراة على وجه اليقين قبل أن تبدأ وتنتهي مهما تفاوتت وتباينت المهارات والقدرات بين الفريقين المتنافسين وحتى لو كان أحد طرفيها قوة كروية عارمة تبدو أحيانا وكأنها قوة لاتقهر ومن يذهب إلى غير ذلك لا يدرك معنى الساحرة المستديرة وماهية الصراع بمعطياته المتعددة.
والساحرة المستديرة لاتعرف الدوجماتية أو جمود الأفكار بحكم انفتاحها دوما على كل الأفكار الجديدة ومخاصمتها للجمود، فيما يبقى المستطيل الأخضر هو المختبر لجدوى كل الأفكار والخطط الكروية..أنها اللعبة التي لايمكن لأحد أن يحدد بدقة نتائج مبارياتها قبل أن تنتهي، كما أنها بحق لعبة متجددة الفرص والتحديات معا ومن ثم فهي لا تقبل الجمود.
وبقدر الفخر بالانتماء للمنتخبات والفرق الكبرى فإن هذه المنتخبات والفرق تبقى بتاريخها العريق ولاعبيها ومدربيها موضع دراسات مستمرة باعتبار أنها حددت وما زالت تحدد مسارات الساحرة المستديرة حول العالم، كما يتجلى في كتاب "موسم في الأحمر: إدارة مانشستر يونايتد في ظل السير إليكس فيرجسون".
وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف جيمي جاكسون تأثير المدرب العملاق إليكس فيرجسون في فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي والذي يوصف بأنه "المدرب الأكثر نجاحا في بريطانيا" ويتوقف مطولا بالدراسة والتحليل لأهم قراراته التدريبية خلال عمله كمدير فني "للكتيبة الحمراء" ما بين عامي 1986 و2013 وكيف تحول فيرجسون الذي يقترب الآن من عامه السابع والسبعين إلى "جزء عزيز من قلب وروح نادي مانشستر يونايتد الذي أسس عام 1878 ومازال صاحب الرقم القياسي في عدد مرات الفوز ببطولة الدوري الإنجليزي".
والأساطير الكروية سواء كانوا لاعبين أو مدربين كإليكس فيرجسون تغري دوما بمقارنات مع من كان قبلهم أو جاء بعدهم، كما يتبدى بوضوح في هذا الكتاب الذي يشكل موسم 2014- 2015 صلبه ليعقد مؤلفه وهو كاتب كروي بصحيفتي الأوبزرفر والجارديان مقارنات مستفيضة بين أوضاع الفريق في ظل فيرجسون وأوضاعه التي تدهورت في ظل المدير الفني التالي ديفيد مويس، كما أنها لم تتحسن كثيرا في ظل قيادة المدير الفني لويس فان جال حتى جاء جوزيه مورينيو في صيف 2016 لقيادة فريق النادي الذي يحلو للبعض من مشجعيه وصفه بأنه "أكبر ناد في العالم".
وإذا كان مؤلف هذا الكتاب قد اجتهد في "تقصي الحقائق من الداخل وعمد للبحث وراء الكواليس للإجابة بمقاربات تحليلية معمقة على أسئلة وأسباب الاضطراب الخطير داخل فريق كبير بعد اعتزال مدرب عظيم" وإذا كان هناك مايدعو لمقارنة بين السير اليكس فيرجسون والبرتغالي جوزيه مورينيو المدير الفني الحالي للكتيبة الحمراء فإن هذه المقارنة لايجوز أن تكون في "المطلق وإنما تنظر بعين الاعتبار لاختلاف السياقات التاريخية بين زمن فيرجسون وزمن مورينيو فيما تبقى تلاوين البهجة مقترنة دوما بالساحرة المستديرة".
فكل ملاعب كرة القدم هي في أصلها ملاعب للبهجة البريئة وكل المنتخبات والفرق العريقة ومن بينها منتخب الفراعنة تسعى لإضافة المزيد من الأمجاد للتاريخ المجيد الذي يحمله كل من ينتمي لها في قلبه كمصدر إلهام وهي مسألة تختلف عن تحويل التاريخ مهما كان مجيدا إلى هاجس يطارد الحاضر أو قيد يأسر المستقبل وعبء يقصم الظهر.
وتلك المسألة تبدت في قلب نقاش حاد وجدل صاخب حول أسباب محنة منتخب عريق وصاحب تاريخ مجيد وهو منتخب هولندا الذي أخفق في الصعود لنهائيات المونديال الأخير في روسيا وهو الذي كان من قبل مصدر بهجة في بطولات كأس العالم وحل ثانيا في 3 من هذه البطولات وأن لم يفز بالكأس ولو مرة واحدة.
وتتفق جمهرة من النقاد والكتاب والمحللين الرياضيين على أن "الماضي تحول في الحالة الهولندية لعبء ثقيل على الحاضر والمستقبل، بينما يفتقر الفريق الحالي لذهنية الانتصار مع استغراق في الذكريات ومقارنات تاريخية مستمرة لحد الغرق في أمواج الماضي ومن هنا أصبح السؤال:"كيف ولماذا وما الذي يحدث بالضبط في الكرة الهولندية الجميلة والشاملة والمبهجة تاريخيا "؟!.
وذهب كتاب ونقاد مثل بيريا راميش إلى أن "التعلق بالماضي الذهبي للمنتخب البرتقالي بلغ درجة المرض الذي أدى لتدهور حاضر منتخب هولندا سواء من حيث الأداء أو النتائج" فالحنين للماضي أو "النوستالجيا" في الحالة الهولندية تجاوز بكثير الحد المطلوب والمعقول حتى بدا أن الحاضر أسير الماضي والتاريخ عبء بدلا من أن يكون مصدر إلهام لفريق في محنة، فيما يتردد السؤال الأليم بين الهولنديين:"لماذا لم تعد الأمور تسير كما كانت في الماضي" ؟!.
والمشكلة أن البعض يبحث عن تفسيرات وحلول مريحة لهذا السؤال في الماضي ذاته بسياقاته التاريخية بدلا من النظر لمعطيات الحاضر بسياقاتها المختلفة أو تحديات المستقبل على حد قول بيريا راميش.
وهكذا فالملاعب الهولندية التي أنجبت 4 أجيال من اللاعبين الموهوبين وأساطير مثل يوهان كرويف وفان هانجيم ورود خوليت وفرانك ريكارد وماركو فان باستن وكويمان وصولا لآرين روبين وويسلي شنايدر تبدو منذ عدة سنوات وكأنها أصيبت بالعقم وأمست عاجزة عن إنجاب مواهب استثنائية.
وهذه الظاهرة يفسرها بيريا راميش "بوجود مشاكل بنيوية عميقة في الكرة الهولندية التي تسلط عليها هاجس التعلق المرضي بالماضي".. والنتيجة: "أن الهولنديين شاهدوا مباريات مونديال 2018 على شاشات التلفزيون دون مشاركة في منافسات العرس الكروي العالمي ليجتروا ذكرياتهم المجيدة في هذا العرس الكروي العالمي الذي غابوا عنه، كما غابوا عن نهائيات بطولة أمم أوروبا في عام 2016".
واستخلاص الدروس من مونديال 2018 واجب الوقت الكروي في كل مكان حول العالم مع إدراك أن هناك ساعات للفوز وساعات للخسارة ولا أحد يستطيع التنبؤ بالنتائج سلفا وتلك طبيعة كرة القدم وربما أحد أسباب شعبيتها الطاغية كما يقول الناقد الكروي باولو بانديني.
ورغم كل التحديات القاسية فإن كرة القدم حتى في ذروة الدراما والنهايات المراوغة لايمكن أن تتخلى عن جوهرها المبهج وإلا فقدت ذاتها باعتبارها اللعبة الجميلة والمتعة التي قد لا تضارعها متعة أخرى بالنسبة لكثير من البشر في هذا العالم وجزء مهم من متعتها يكمن في عذابات اللحظات العصيبة ومفارقات البدايات والنهايات في رحلة البحث عن اللقب، كما تجلى في العرس الكروي العالمي الذي أسدل عليه الستار مساء أمس لكنه سيبقى طويلا في ذاكرة العالم وثقافة البهجة الكروية.