الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عن الأدب والمحبة والعائلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أن أكون أديبة يعنى أن ألتفت إلى كل كلمة تخرج من وجدانى على الورق لتضىء، لا لتقتل، أن أتغاضى عن الصغائر وأحتفى بالجمال. أن أمتلك عقلا جدليا يجيد التساؤل، ويتسم بالموضوعية، والأهم من ذلك كله أن أكون سليمة الطوية، أنظر إلى الحياة بجدية الباحث وتلقائية الطفل، أن أتذكر كل ما تعلمته فى منزلى أولا ثم ما تعلمته فى مدارج التعليم خارج البيت. فهو ما يحدد إنسانيتنا كبصمة لا تتكرر أبدا. أن أكون أديبة يعنى ألا ألتفت إلى من وسمنى بما ليس فىَّ أو حاكمنى بما لا يعرفه عني، وأستمر فى عطائي، أمضى فى الحياة، برضا الفقراء وثقتهم فى الله مدبر أمرهم، واعية تماما بما أحمله على كتفى من إرث لا يراه غيري، إرث تشكل منذ نعومة أظافرى وأن ألهو بميكروسكوب جدي، متأملة شوكة بويضة البلهارسيا لأحدد نوعها أو قشرة البصل التى تشبه جدارا من الطوب اللبن. فأعتاد اختلاف التفاصيل من القوة الصغرى إلى القوة الكبرى للعدسات. وأتعلم أن أتأمل العالم لا أن أراه فقط من الخارج، وأننى كلما اقتربت من الأمر اتضح أو غام تماما حسب كمية الضوء ودقة النظرة مهما صبغنا شرائح المواقف بأزرق «الميثلين»، أو صبغة عباد الشمس.
إرث تشكل وأنا أسمع مفردة مدرسة، فلا تعنى الجرس والمعلم والمقاعد والسبورة. وإنما تعنى عوالم غنية تصطخب بأفرادها وحكاياتها التى لا تخرج عن نطاق عائلتى، لأن أبطالها هم الجدة الكبيرة والعمات والخالات تعني- الحاجة نبيهة وحفيداتها- وبنات القرية. إرث تشكل وأنا أرى والدى يجلس على الأرض مع العمال الزراعيين فى حديقتنا أو حقولنا، فى الصباح يعمل معهم يدا بيد ويأكل مما يأكلون ولا يعلو صوته فى البيت إلا إذا تأخر إرسال الطعام إليهم أو كان الطعام غير جيد لفقراء يعملون. كان يقول دائما، إنها صدقة قبل أن تكون طعاما وحرى بنا أن نكرمهم. إرث تشكل بفعل الجميع حتى من كن يساعدننا فى المنزل وكنا نعتبرهن ونحن صغار خالات لنا، من فرط المعاملة الطيبة لهن، نتقبلهن بحياتهن البسيطة ولهجتهن وشخصياتهن المختلفة وملابسهن القروية الطويلة التى لا يخترنها من مجلات بوردا أو من كتالوجات ترزى العائلة. لعلنى الآن أصفق لنفسى بعد عدة مواقف قريبة وضعتنى على المحك منها، تعرضى للطرد من حجرة مديرى فى مقر عملى وعندما لجأت للشئون القانونية تم تمييع الأمر، ومنها تعرضى للتحرش اللفظى من قبل بعض أفراد من جماعة الإخوان نظرا لمقال كتبته عن تفجير الكنيسة البطرسية، كيف لم أكتب عما جرى فى رابعة والنهضة؟ منها أننى رفضت دعوة مدير الإدارة للنقل لأى مدرسة بالمدينة وفضلت البقاء بالقرية راضية مرضية، لأننى أؤمن بأن أطفال القرى أيضا لهم نفس حقوق أطفال المدينة، لأننى ما زلت مؤمنة بأن العلم رسالة وأن الجيد من التعليم لا يجب أن تختص به شريحة ما دون غيرها وأن أصحاب الرسالات كتب عليهم أن يدفعوا من وقتهم وجهدهم وعدم التقدير ويظلوا راضين سعداء رغم غصة فى الحلق. منها أننى شاهدت وتيقنت كيف يكون بعض القائمين على مصالح العباد فى البلاد أمناء فى عملهم ومؤمنين بالتطوير والحوار ومن حولهم من مرؤوسين لا يردون على تليفوناتك لتحديد موعد مع رؤسائهم فيجهض الأمر برمته. منها أن تناوشك كل أفكار الانتقام لتنتصر لذاتك وتتفرغ لاسترجاع حقوقك أو سير الأمور فى شكل معارضة أو تشويه أو زعزعة ثقة فى البلاد والعباد. فتفضل أن تسير قدما فى طريقك، لأن ما تؤمن به عميق ومتجذر فيك. تفضل عدم الرد تفضل ابتلاع دموعك وللحفاظ على ضوئك من هبة ريح اليأس وكل معانى الخذلان. رغم وجود المساحات التى تستطيع أن تصرخ فيها وأن تتمسك بالصدق والموضوعية والانتصار لما تربيت عليه فأبتسم وأصفق لنفسي. وأتمنى أن أصفق دوما كلما اختبرتنى الأيام أشجعنى وأنا أترحم عليهم جميعا، وأقول لهم يا جدتى التى أرسل إليك جمال عبدالناصر تلغرافًا ليرد عليك زوجك من الصعيد حين شكوت إليه نقله تعسفيا، ويا جدى، يا من علمتنى دقة معلميك الإنجليز وصرامتهم فى التعامل. ويا أبى الذى علمنى الرقة والرحمة ويا أمى التى تعبت كثيرا. أنا ابنتكم البارة التى تمضى فى الحياة ما زالت وهى تنوء بعبء المحبة والخير والعدل وما زالت تنتصر لكم.