عندما قامت الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ فتحت عصر الثورات ضد الملكيات في أوروبا بالكامل، ومنحت الشعوب الأمل في تحقيق مفهوم الحكم الديمقراطي، وبدأت عصر الجمهوريات والملكيات الدستورية.
وضعت الثورة شعارات ثلاث ما زالت فرنسا تفتخر وتحافظ عليها على مر الأجيال، الحرية والإخاء والمساواة.
لم يدر بخلد أحد من مفكري وصانعي الثورة ولا من أتوا من بعدهم من مفكري عصر النهضة وفلاسفتها أنه سيأتي اليوم الذي تلجأ فيه تلك الأمة العريقة والبلد العتيد في الديمقراطية، ويتخذ فيه حزمة من الإجراءات الاستثنائية في تاريخه لمواجهة ظاهرة جديدة وافدة عليهم، هي ظاهرة الإرهاب.
ففي خطوة غير مسبوقة في تاريخ مكافحة الإرهاب في فرنسا، قام إدوار فيليب، رئيس الوزراء الفرنسي، بالإعلان عن حزمة من الإجراءات القانونية والإدارية المهمة، جاء في مقدمتها إنشاء نيابة عامة جديدة مختصة بمكافحة الإرهاب، يعمل بها نحو 30 قاضي تحقيق، يساعدهم عدد كبير من رجال القانون والمخابرات وشرطة التحريات، الإعلان عن تلك الحزمة جاء من قلب مبنى الإدارة العامة للأمن الداخلى "المخابرات الداخلية الفرنسية"، وعشية الاحتفال بأعياد الثورة في الرابع عشر من يوليو، الأمر الذي يحمل رسائل عديدة مبطنة.
وكشف رئيس الوزراء في إعلانه، أن هذه النيابة الجديدة ستختص أيضًا بالتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وسيوكل إليها أيضًا التحقيق في أي جرائم تتعليق بأمن الدولة العليا أو إفشاء أسرار عسكرية أو الأسرار العليا للدولة، بما يضع الصحافة الفرنسية في مأزق لا تحسد عليه.
بالتوازي مع تلك الإجراءات، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي عن إنشاء هيئة مختصة بتطبيق العقوبات في جرائم الإرهاب تلك التي يعيق القانون الحالي تطبيقها بما يعجّل من تنفيذ تلك العقوبات، وتحقيق العدالة الناجزة.
إلا أن، ما يميز تلك الإجراءات الجديدة هو إنشاء "خلية" هكذا بالنص، مكلفة بمراقبة ومتابعة ليس فقط، المحكوم عليهم من الإرهابيين عند انتهاء مدة العقوبة، بل متابعة كل الإسلاميين الراديكاليين المشكوك فيهم، وهو إجراء وقائي تحول القوانين الحالية دون تنفيذه بشكل فعال، إضافة إلى ثمانية إجراءات سرية لم يتم الإعلان عنها حفاظًا على الأمن القومي الفرنسي، ودون العرض على البرلمان.
والسؤال: ماذا لو اتخذت الحكومة المصرية مثل تلك الإجراءات دون الرجوع إلى البرلمان؟، وماذا كان سيقول دعاة حقوق الإنسان؟!.