لا شك أن ملف التعليم هو الملف الأكثر سخونة، والأوسع جدلًا فى كل بيت الآن خاصة بعد اتضاح خطوطه العريضة، وتصدر التابلت لواجهة التطوير. انتشرت تكهنات وتخوفات، وانقسمت الآراء ككل عام بين مشجع ومعارض خاصة فيما يتعلق بأمور الثانوية العامة. لن أخوض فى تفاصيل النظام، لأننى لا أشك مطلقًا فى حرص الدولة متمثلة فى رئيسها على العناية بالعملية التعليمية برمتها فى محاولة لاستعادة دورنا الريادى وتقليل الفجوة بين مخرجات العملية التعليمية وسوق العمل. والأهم هو ملاءمة نوعية التعليم لهذا السوق ومدى ارتباط متطلباته بالمناهج التى يدرسها الطلاب. وهنا يجب أن أشير إلى أهمية دعمنا للدولة فى هذا التطوير ومساندته، وأعيد إلى الأذهان تقرير «أمة فى خطر» عام ١٩٨٣ والذى يعتبر أهم وثيقة عن التعليم فى أمريكا فى العقود الماضية. والذى أكد أن مشاكل الأمة الأمريكية فى التعليم ترجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض المستويات الأكاديمية للطلاب وتدنى نوعية التعليم، وأشار أيضًا بأصابع الاتهام إلى المعلم نفسه، وكان لزامًا أن تظل اللجنة التى وضعت التقرير منعقدة حتى نهاية القرن العشرين لتتابع جميع أجندات الإصلاح. لقد كان ضعف القدرة التنافسية للطلاب الأمريكيين مقارنة بطلاب الدول الصناعية خارج أمريكا هو ما دق جرس الإنذار وهبت له الأمة فما بالنا نحن بما نعانيه من أزمات منذ سنوات، وما بالنا بهجرة الطلاب للمدارس والاستهانة بالعملية التعليمة والحط من هيبة المدرسين من قبل الطلاب، وحرص أولياء الأمور فقط على الدروس الخصوصية كباب ذهبى للدرجات وبديل أكثر راحة من مقاعد الدراسة.
ما بالنا والحروب وأفكار التطرف والإرهاب وحروب الجيل الرابع تطال كل بيت وتطال كل الدول. من هنا أستطيع أن أقول إن التطوير لا يتوقف على المناهج والتابلت والمدرسة والمدرسين فقط، وإنما يتوقف أيضًا على الأسرة التى يجب أن تثق فى مشروع التطوير وفى آلياته وتمحو تمامًا فكرة الدروس الخصوصية فى الثانوية العامة التى أصبحت ثلاثة أعوام. يجب أن نعيد التفكير بصدد العادات التى تربينا عليها نحن أبناء الطبقة المتوسطة السواد الأعظم من الشعب. لقد تحدثت كفرد من أفراد المنظومة التعليمية قضيت أكثر من عقدين بين جنباتها، ومررت بعقدة الثانوية العامة ومررت بما يمس الجميع لأننى لست بعيدة، ولأننى رأيت فى المدارس بالخارج ما يجعلنى متفائلة بما يجرى الآن. لقد قرأت التصور بما فيه من مزج بين المواد العلمية والمواد الأدبية كناحية تثقيفية تعمد إلى تكامل المعرفة. وهى خطوة سعدت بها وتمنيت أن لو امتد حبلها أكثر وأكثر ليصل إلى ما هو أبعد من المناهج التعليمية بأنشطتها الصفية واللاصفية بما يسمح أن نعيد بناء ما تهدم ونسترجع ما فقدناه من ملامحنا المجتمعية الخاصة كالطيبة والشهامة وتقدير قيمة المرأة والعمل، لأنه ببساطة إذا كان العلم هو العمود الفقرى للدول فإن الثقافة هى جناحاها، وهو ما يدفعنى أن أطالب كلا من وزير التربية والتعليم ووزيرة الثقافة بتطبيق بروتوكولات التعاون بينهما. تلك التى تم وضعها منذ سنوات التى ستفتح الطريق لتهذيب العقول والروح واستعادة الوعى والانتماء إلى أطفالنا وشبابنا. لقد أنفقنا ساعات وساعات لنصيغها، وعدد من المؤتمرات أقيم وجهود ضخمة بذلت حتى تم خروجها أقرب ما تكون إلى الاكتمال. وأعتقد أن الوقت قد حان لتنفيذها بخطة صارمة لا على الورق كما يحدث فى العديد من المدارس ويتساوى فى ذلك أطفال القرى والمدن.
لابد من عودة الرحلات التى توقفت وزيارة المتاحف وغيرها، لابد من إضفاء روح التنوع والمتعة بجانب الدراسة لابد من عقد الندوات بالمدارس وبشكل دورى لا توقفه المنظومة الإدارية والأوراق والأختام. لابد أيضًا من عودة المسرح المدرسي. هناك من المشاريع الكثير، ومن الأوفياء والمتحمسين الآلاف، ومن أطفال السواد الأعظم الملايين الذين ستعهد إليهم قيادة الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، وعودة اسم مصر إلى الريادة من جديد.