الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

23 يوليو.. ثورة أحرار "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعض الناس يشوهون التاريخ عمدا لأغراض بداخلهم، وبعضنا يبتلع الطعم فيردد ما يقال دون وعى أو فهم، وهؤلاء الذين يريدون قلب الحقائق وتزييف التاريخ يعتمدون على ذاكرة السمكة التى يتمتع بها أغلبنا، وفى كل عام ومع الاحتفال بذكرى ثورة ٢٣ يوليو ٥٢، تجد من يشعل مواقع التواصل الاجتماعى وبعض الصحف بنيران بركانية ضد عبدالناصر ورفاقه، وضد الثورة أو الانقلاب، وهو المصطلح الذى يستخدمونه، وتجد أيضا المتباكى على الملكية وأيامها زاعما أننا كنا دولة غنية ومتقدمة وديمقراطية، وكنا نقرض العالم من فائض أموالنا، هكذا يزعمون فيصدقهم شبابنا الذى لا يقرأ التاريخ، ويصدقهم كذلك بعض الإعلاميين الجهلاء الذين يرددون نفس الكلمات، ويتحدثون عن تقدم مصر أيام الملكية ونظافة شوارعها وتحضر شعبها، وكأن الجيش قد انتفض من ثكناته دون أسباب، وقام بالسطو على مقاليد الحكم ليؤخر البلاد ويبدد ثروتها ويقضى على كل ما هو جميل بها، ويؤسفنى أن البعض يصدق هذه الأكاذيب التى أطلقتها صراحة ودون مواربة جماعة الإخوان، وذلك لأن ثأرا قديما بينها وبين ثورة ٥٢، فالثابت أنها أيدت الثورة فى بادئ الأمر وباركتها، بل وادعت المشاركة فيها، وذهبوا إلى أن عبدالناصر كان واحدا منهم، وكم من أشعار كتبوها فى عبدالناصر منذ ٥٢ وحتى ٥٤، وهى شهور العسل التى امتدت بين الجماعة والثورة، وخلالها شبهوا عبدالناصر بصلاح الدين، ومدحوه وغنوا له وللثورة المباركة، فلما اختلف معهم نعتوه بأقذر الصفات وحاولوا اغتياله واتهموه بالخيانة، وذهبوا إلى أنه يهودى الأصل، ووصفوا الثورة بالانقلاب، ولا شك أن الإخوان كانوا يعانون مأزقا تاريخيا عقب اغتيال مرشدهم الأول حسن البنا فى فبراير ٤٩، وكان معظم أفراد الجماعة رهن الاعتقال، ولذا فقد كانوا يتطلعون للخلاص من هذا الحكم الدكتاتورى الظالم، وهذا هو وصفهم لحكم فاروق ورئيس وزرائه إبراهيم عبدالهادي، وكعادتهم نسجوا الأساطير حول الأهوال التى عانوها، فكتبوا فى أدبياتهم أن إبراهيم باشا عبدالهادى كان يذهب بنفسه إلى المعتقل ليعذب سجناء الإخوان تماما كما ذكروا ذلك فيما بعد عن صلاح نصر وشمس بدران، وهى الأساطير التى يحاولون نيل التعاطف بها، علما بأن العقل لا يصدقها، إذ كيف لوزير الحربية أو رئيس المخابرات أن يذهب إلى المعتقل، ويمسك سوطا ليعذب به أحد السجناء؟ أيستقيم هذا مع المنطق؟.. ولكنهم يرددون هذا دائما وبعض الناس وللأسف تصدق كلامهم، ونعود إلى مصر قبل ثورة يوليو؛ حيث كانت واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي، وكان بمقدور وزير خارجية بريطانيا أن يصدر مرسوما يغير به الوزارة المصرية أو يتقبل جلالة الملك المفدي، وبما أن مصر تحت الحماية البريطانية فعلى جيشها الاشتراك فى الحرب العالمية الثانية، وهى لا ناقة لها ولا جمل فى هذه الحرب، وتتحمل الخزانة المصرية مصاريف إضافية من أجل الحرب، علما بأننا كنا نعانى أزمة اقتصادية طاحنة منذ لجأ الخديو إسماعيل للاقتراض من بنوك أوروبا، بغية الإنفاق على بناء وتشييد القصور والأوبرا وغيرها من مشروعات مختلفة، وحين عجز عن سداد الدين قررت بريطانيا وفرنسا تعيين وزراء لهما داخل الحكومة المصرية، لمراقبة اقتصادها وضمان سداد الدين، ويقول المؤرخ الراحل عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مقدمات ثورة ٢٣ يوليو»: «كانت الحالة الاقتصادية فى أوائل سنة ٥٢ تحفز النفوس إلى الانتفاضة والثورة والعمل على تحرير البلاد من عوامل الفقر»، ويتحدث الرافعى تفصيلا عن الاقتصاد المصرى منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث كان العجز فى الميزان التجارى يتضاعف سنة بعد أخري، وأما النشاط الزراعى فقد استحوذ عليه ملاك الأراضى الزراعية، والذين كانوا لا يمثلون أكثر من نصف فى المائة، وهذا ما سمى بالإقطاع، أما الفلاح المصرى فكان أجيرا.. حافيا، يعانى اضطهادا، ويضطر للعمل بالسخرة فى الأراضى التى تملكها العائلة الحاكمة والأتراك وبعض الإقطاعيين من البشاوات والبكوات، ويقول الرافعى: «كانت الغالبية العظمى من الشعب تشكو الفقر، وأبرز مظاهره انخفاض مستوى المعيشة إذا قيس بمستوى البلاد الأخري، وكانت الحالة الاجتماعية تدعو أيضا إلى الثورة، وأهم مظاهرها فقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب»، كل هذا فى ظل وجود المحتل الإنجليزى- كما ذكرنا- والذى حول مصر إلى قاعدة عسكرية له وقتل الآلاف من شبابنا، وجثم على قلوبنا منذ ١٨٨٢، وسرق القطن المصرى بعد نسجه فى المصانع المصرية، وأعاده إلينا قماشا إنجليزيا، وأما النسج فى المصانع المصرية فكان سببه إبعاد التلوث عن هواء إنجلترا، وفى معاهدة ٣٦ أصرت بريطانيا على أن تكون المورد الوحيد لتسليح الجيش المصرى، فلما دخل الجيش حرب فلسطين امتنعت بريطانيا عن تزويده بالسلاح وكان هذا الامتناع من أسباب هزيمة ٤٨، وكان معظم أفراد الشعب يسيرون حفاة، حتى قامت مظاهرة فى عهد فاروق سميت بـ«مظاهرة الحفاة»، وهى المظاهرة التى طالب فيها أفراد الشعب بحذاء يرتدونه فى أرجلهم التى عانت تشققا، ولم تكن القرى المصرية تعرف المياه النقية ولا الكهرباء، فكانت الكوليرا والبلهارسيا والسل أمراض العصر بسبب الأحوال التى يعيشها المصرى، ولم يكن التعليم متاحا إلا لأبناء الأغنياء فقط، هكذا كانت مصر الملكية.. وللحديث بقية.