تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قرار الرئيس بتعيين اللواء أركان حرب محسن عبدالنبى مديرًا لمكتب رئيس الجمهورية يعكس الفكر المؤسسى الذى يحكم القرار السيادي، فلم يعد اسم الذى يشغل هذا المنصب من الأسرار التى لا يمكن إذاعتها وأن تحاط سيرته الذاتية بسياج من الكتمان، حيث إن هناك ثقافة متوارثة منذ أيام الملكية بأن هذه المواقع تدخل فى نطاق المحظورات، لكننا فى هذا القرار نجد أنه قد عرضت الصحف سيرته الذاتية وطبيعة المهام التى تولاها، مما دعا الرئيس إلى اختياره لهذه المهمة الدقيقة التى ندعو الله أن يعينه على تحمل أعبائها.
ولأن نظام العمل الرئاسى فى عهد الرئيس السيسى يختلف عن سابقيه فهذه الوظيفة لم تكن موجودة فى أيام الملك فاروق، لكن آخر سكرتير خاص للملك هو محمد حسن السليمانى الذى كان يحمل خاتما بتوقيعه ويصدر القرارات، سواء فى تعيينات أو ترشيحات ويستأذن الملك، الذى كان غالبًا يوافق عليها، مما جعل سلطة محمد حسن السليمانى لها من السطوة والمهابة واستطاع بدهائه الفطرى فلم يكن يحمل أى مؤهل علمى، لكنه أفلت من محاكم الثورة وهرب طبعًا بمساعدة ثورية إلى السودان.. ومحمد حسن السليمانى كانت له مهام تختلف عن بوللى الإيطالى الذى كان يختص بالشئون الخاصة للملك ومنعته قيادة الثورة من السفر مع الملك فاروق على اليخت المحروسة، رغم طلب الملك أن يصاحبه بالخارج.
وأقوى مدير مكتب بعد الثورة كان الصاغ عبدالحكيم عامر، حيث كان مديرًا لمكتب اللواء محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة، وظل فى هذا الموقع حتى رقى من رتبة الصاغ إلى اللواء وكان محمد رياض سكرتيرًا خاصًا له وتولى قيادة الجيش بعد إعلان الجمهورية، وثانى من شغلوا المنصب من الأقوياء كان على صبرى، الذى تولى منصب مدير مكتب رئيس الوزراء جمال عبدالناصر الذى جمع بين الحكم والقيادة معًا، وهذا النظام فى عهد عبدالناصر يختلف، حيث بدأ بالسيد موفق حموى وتولى عبد الرءوف جبريل مدير مكتب الرئيس للشكاوى فى قصر عابدين وتولى السيد سامى شرف مدير مكتب الرئيس لشئون المعلومات، ثم أصبح وزيرًا وظل فى مكتبه والسكرتارية الخاصة كان يتولاها محمود الجيار ومحمود فهيم وعمر عبدالفتاح، وانضم أخيرًا لهذا الفريق من السكرتارية الخاصة وجيه رمزى كاظم الوزير، محافظ الشرقية الأسبق ورئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وتولى تمديد مكتب الشئون الفنية المهندس حلمى السعيد، وهو والد الوزيرة الدكتورة هالة السعيد، وهو الذى خطط لمشروع مدينة نصر، وكان أول وزير لشئون الرئاسة هو حسن إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة، وفى عهد السادات لم يهتم كثيرًا بهذا المنصب وانحصرت إدارة مكتبه فى موضع ثقته فوزى عبدالحافظ وعاونه وجدى مسعد ورءوف دغيدى ونبيل عقل وترك الأمور وجدى سعودى وفايز عون، إما لرجاله أمثال محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط الأسبق، ولم يكن يطيق عرض البوستة عليه، حيث قال لفوزى عبدالحافظ: «هذا الكوم من الأوراق هو الذى قتل جمال عبدالناصر، كل الأوراق تروح للمختصين دون العرض علي» بل إنه أصدر تعليمات بألَّا تزيد مدة أى اجتماع مهما كان عن ساعتين فقط واعتمد على أربع ركائز، أولاها المقابلات الشخصية لمن يرغب أو قيام نائب الرئيس بدور مدير المكتب، وقام بهذا الدور بإتقان الرئيس الأسبق حسنى مبارك والثالث التنظيمات الشعبية سواء الاتحاد الاشتراكى أيام سيد مرعى والدكتور حافظ غانم أو مجلس الشعب والرابع كبار الصحفيين من الكتاب والمفكرين، منهم إحسان عبد القدوس وموسى صبرى وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين وعبد الله عبد الباري، وكان هو الذى يدير حركته الإعلامية بنفسه مثل اختياره المخرج محمد سالم لتغطية زيارته الخارجية فضلًا عن علاقته بالفنانين، أولهم محمد عبدالوهاب ويوسف وهبي، وأنه أعاد نظام رئيس الديوان بعد إلغائه بعد ثورة يوليو لكن استحدث منصب سكرتير عام الرئاسة وأقوى من تولاها عبدالمجيد فريد، وأعاد السادات منصب وزير الدولة لشئون الرئاسة، حيث اختار المهندس عبدالفتاح عبد الله الذى كلف بمسئولية وزراة النقل، واختار بعده المهندس عبد الستار مجاهد ثم الدكتور نعيم أبو طالب، وثانى من تولى هذا المنصب وآخرهم كان الأستاذ منصور حسن الذى جمع بين وزارتى الإعلام والثقافة وشئون الرئاسة، إلا أنه تعرض لموقف جعل السادات يطيح به ليكون وكيلًا لمجلس الشعب وشملت الإطاحة آخرين، وهذا يعكس أن العمل داخل المؤسسة لايحتمل واحدا فى المليون من الخطأ.
وفى عهد مبارك بدأ مسئولياته بالحفاظ على مؤسسية العمل الرئاسى فاختار سعد شعبان مديرًا لمكتب الرئيس والدكتور أسامة الباز مديرًا لمكتبه للشئون السياسية ومصطفى الفقى سكرتيرًا للرئيس للمعلومات والمتابعة واعتمد أساسًا على وزراء الحكومة فى الإعلام متمثلة فى شخص صفوت الشريف وتولى الدكتور زكريا عزمى سكرتير عام الرئاسة ثم رئيسًا للديوان وأخطر من تولى هذا المنصب فى عهد عبدالناصر وعامر العقيد شمس بدران.
وفى عهد محمد مرسى كانت الدولة تسير برأسين وإدارتين وجهازين، أحداهما فى الاتحادية والآخر الإرشاد، صحيح أن أحمد عبدالعاطى كان مديرًا لمكتب الرئيس، لكنه كان يعمل فترة إضافية بمكتب الإرشاد، مما أفقد هيكل الحكم هيبة الدولة، لأن النظام وقتها لا يعترف بالدولة.
وقد أسند الرئيس السيسى هذه المسئولية إلى اللواء محسن عبدالنبى وظهر فى صفحته الشخصية أنه رجل قريب من ملف الشئون المعنوية وهو من أهم عناصر تأهيل العنصر البشري، وأن هذا الملف المهم يتطلب دقة كاملة وأشرف على إصدارات صحفية عسكرية، يعنى أنه تعامل مع المطبعة الآلة التى لا ترحم ولا يصدر عنها إلا ما هو صحيح ولا يحتمل الخطأ، لأن ما تنتجه عبارة عن وثائق وتعامل مع تلك الآلة التى أصبحت آية هذا العصر مع تنوع مفرداتها وتعامل مع القلم بكل ما يحمل من مصداقية، لذلك فإن هذه المقومات تؤهلة فى هذا الموقع لأن يكون الموصل الجيد ليس من خلال الكلمات ولكن من خلال القراءة الجيدة لصدق الأهداف.
هذه الثقة فى شخصه وقدراته يعرف أن وقت الدولة يجب أن يحاط بالانضباط والاحترام ووقت الرئيس له ثمن، لأن الأمر ليس مجرد تسيير أعمال، لكن المهمة أكبر وأهم لأنها تمثل هيبة الدولة.