تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أفلح إن صدق محافظ القاهرة، المبادرة التى أعلن عنها منذ أيام عن حق المشاة فى الرصيف، بالرغم من أنها بديهية، إلا أنها باتت تشكل أزمة حقيقية لكل من تسول له نفسه محاولة التحرك من ناصية إلى أخرى، والمبادرة التى قال عنها المهندس عاطف عبدالحميد، محافظ القاهرة إنها ستعمل على إخلاء الأرصفة ليتمكن المشاة من السير بشكل آمن حددت شروطًا بديهية أيضًا، منها عدم السماح بخروج المطاعم والمقاهى عن المساحات المرخصة لها وإزالة الأكشاك المخالفة، وكذلك ترميم الأرصفة وتعويض البلدورات المفقودة وإعادة دهانها.
عندما تتقزم أحلامنا للدرجة التى نبحث فيها عن رصيف للمشاة، فعلينا أن نكتب لنوثق وعد المحافظ ومبادرته، فالذى يكمن خلف المبادرة ليس إخلاء الأرصفة وتطويرها فقط، ولكنها بشكل مواز سوف تفرض على المحافظ إخلاء الإدارات الهندسية بالأحياء من الفساد وتطوير أدوات العاملين بها، ليعرفوا أن الأرصفة والشوارع ملكية عامة ولا يجوز للمسئولين بالأحياء التصرف فيها كملكية خاصة لهم ورثوها عن آبائهم فيتغاضون عن المحل الفلانى مقابل رشوة ويطاردون المطعم العلانى لأنه تجاهل رغباتهم الرخيصة.
أعرف أن الموضوع أكبر من قرار محافظ، بل أكبر من وزارة التنمية المحلية ذاتها، نحن هنا نتحدث عن سلوك عام منهار، استسهل فيه المواطن الرشوة واستباح الموظف العمومى حقوق الناس، فالمشكلة ليست فى سن القوانين لتنظم حياتنا، القوانين كثيرة والعقوبات متنوعة، المشكلة الحقيقية تكمن فى الإرادة، فهل نحن حكومة وشعب على استعداد لكى نلحق بالحضارة التى من أول عناوينها الرصيف الآمن؟.
ونخطئ لو قمنا باختزال فكرة محافظ القاهرة على العاصمة وحدها أو على منطقة وسط البلد فقط، فالعشوائية تضرب فى كل عواصم محافظات مصر، وتعالوا اسألوا فى محافظة الإسماعيلية عن الآلاف من أكشاك الصفيح التى شبت بين ليلة وضحاها، أقامها بلطجية ليقوموا بتأجيرها بعد ذلك، والأعجب هو وصول الكهرباء إلى تلك العشوائيات التى تخصص أغلبها فى تجارة المخدرات.
رصيف آمن حلم صغير وهم كبير، حتى أن البعض يرى أن تلك المخالفات الممنهجة تقودها مافيا منظمة داخل الجسد الحكومي، الرصيف الآمن والبلدورات ذات الكود الموحد المتناغم والنظافة العامة مسئولية مشتركة ما بين الناس والجهاز التنفيذي، فما الذى يعوق مؤسسات المجتمع المدنى عن مد يد التعاون فى هذا المجال، أقول لكم.. يتحمس بعض الناس الحالمين لفترة، يكنسون شوارعهم ويزرعون الأشجار ومع أول تلامس مع موظفى الأحياء تكون الصدمة بانحياز الموظف للمخالفة، فتموت المبادرة ونعود إلى نقطة ما قبل الصفر.
دولة تحتار فى تصريف قمامتها، هى دولة تحتاج إلى إبداع وإلى مشاركة شعبية حقيقية، المشاركة التى تؤسس على حقوق وواجبات متكافئة، فالمتطوعون ليسوا أسرى عند الإدارات الهندسية ليعانوا من البيروقراطية والفساد المختفى فى سيارات المسئولين الفارهة، أتذكر عشرات التجارب فى العمل العام شاركت فيها، سواء فى عمليات النظافة أو دهان الأرصفة أو التشجير، كانت الإنجازات صغيرة على الأرض عميقة الأثر فى نفوسنا أنا ومن معي، والآن يخاف المتطوع إعلان تطوعه حتى لا يصطدم بفاسد يفترس ما تبقى من طموح المتطوع.
تمامًا تشبه تلك الحالة الخراب فى قوانين الأطعمة الفاسدة، مجازر عشوائية دون ترخيص ومطاعم تفتقد الحد الأدنى من النظافة وعندما ينهض التنفيذى للمواجهة يعود المخالف بعد ساعات لمواصلة مخالفته، وإذا سألت عن السبب يبطل العجب، فيقول لك التنفيذى فعلنا ما علينا وخرج المخالف بغرامة وهذا أقصى ما يمكننا فعله.
هذه التفاصيل الصغيرة، هى التى يعيشها المواطن يوميًا وإذا أردنا تطوير نوعية الحياة وجودتها، فلابد من الوقوف عند تلك التفاصيل، لنشكل معًا لوحة مضيئة خضراء للمستقبل.