تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
منذ أَفَلَت الفترة الليبرالية القصيرة في بلادنا ظل الخطاب السياسي للسلطة يشيد بوعي “,”الجماهير“,” و كيف أن ذلك الشعب المعلم صاحب الحضارة العظيمة قد استطاع بوعيه الثاقب أن يحدد المسار التاريخي الصحيح للأمة فالتف حول ثورة يوليو، ثم حول ثورة مايو التصحيحية وأجمع بحماس استفتائي مشهود على تأييد كافة القرارات الثورية من حل الأحزاب إلى إباحتها، ومن اتخاذ الاشتراكية إطارًا للدستور إلى اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للتشريع, فضلا عن قوانين العيب والوحدة الوطنية والطوارئ والخصخصة، بالإضافة إلى التهليل والزهو بثورية قرار الوحدة المصرية السورية ثم التصفيق الحاد للقرار الحكيم بقبول الانفصال.. إلى آخره.
غير أن ثمة خطابًا سياسيًا آخر ظل يصدر عن نفس السلطة في نفس الوقت وبنفس الحماس مؤداه أن ذلك الشعب “,”العظيم“,” عاجز عن تبين المخاطر والسموم التي تبثها قلة مغرضة شريرة تسعى لتدمير منجزاته واجتذابه بعيدًا عن مصالحه الحقيقية تحت شعارات رجعية أو يسارية أو إسلامية متطرفة أو حتى صهيونية متخفية، ولذلك لا تتردد السلطة في بذل كل جهد للتصدي بنفسها لما يعجز الشعب عن تبين مخاطره فتتولى هي فرز كل شيء واستبعاد كل تهديد من المنبع باعتبارها الأعلم بالمصلحة من ذلك الشعب الطيب الساذج، والزج بتلك القلة من المخربين والعملاء إلى غياهب السجون والمعتقلات حماية للشعب “,”الحبيب“,” من شرورهم.
ولم يكن من سبيل لإقامة الدليل “,”الرقمي“,” على أن الحديث عن قلة مندسة من المخربين والعملاء ليس إلا مجرد هراء، وأن ثمة معارضة حقيقية شعبية لا يمكن تجاهلها.
ومع ثورة يناير 2011 وبعد تعرجات لا مجال لتفصيلها جاء اليوم الفاصل لحديث الأرقام وذهب المصريون إلى صناديق الانتخاب للمفاضلة بين السيد الدكتور محمد مرسي والسيد الفريق أحمد شفيق، ولنضرب صفحًا عن الحديث عما شاب تلك الانتخابات من شوائب، ولنضرب صفحًا عما لا يمكن رصده رقميًا من تصويت عقابي نظنه كان متبادلا، ولنضرب صفحًا أيضًا عن القول بتآكل الأغلبية التي جاءت بالرئيس إلي السلطة بعد توليه لها، فشيء من ذلك لا يمكن إثباته رقميًا، ولنعتمد فحسب على النتائج الرسمية التي أتت بالسيد الرئيس الدكتور محمد مرسي إلى سدة الحكم كأول رئيس منتخب ديمقراطيًا.
لقد حصل السيد الدكتور محمد مرسي على ثلاثة عشر مليونًا ومئتين وثلاثين ألفًا ومائة وواحد وثلاثين صوتًا على وجه التحديد من مجموع الأصوات الصحيحة بنسبة 51.73% ، وحصل السيد الفريق أحمد شفيق على اثنى عشر مليونًا وثلاثمائة وسبع وأربعين ألفًا وثلاثمائة وثمانين صوتًا على وجه التحديد من مجموع الأصوات الصحيحة بنسبة 48.27%.
وكنا نظن أنه بإعلان تلك النتيجة ومع بداية عهد الجمهورية الثانية سوف ينتهي ذلك الحديث الديماجوجي الممجوج عن تلك الفئة المخربة المندسة التي تعمل في الظلام، وعن اختراق تلك القلة للسلطة القضائية وللقنوات الفضائية لتعطيل مسيرة الديمقراطية.
لقد رفض ما يزيد عن 12 مليون مصري اختيار السيد الدكتور محمد مرسي رئيسًا للجمهورية مفضلين اختيار السيد الفريق أحمد شفيق، معبرين عن رأيهم في وضح النهار وعلى مشهد من العالم كله. صحيح أن عدد من اختاروا السيد الدكتور محمد مرسي رئيسًا للجمهورية يزيد عن عدد من اختاروا منافسه بنسبة 3.46% ولكن ذلك لا يبرر بحال اعتبار ما يزيد عن 12 مليون مصري مجرد قلة تتآمر في الظلام.
وكيف يمكن الحديث عن اختراق تلك “,”القلة المندسة“,” لأجهزة السلطة القضائية؟ وهي نفس السلطة القضائية التي أشرف رجالها على الانتخابات وأعلنوا نتيجتها؟ وهل يمكن الحديث عن عمالة قنوات فضائية تعبر ـ وإن تجاوزت ـ عن إرادة 12 مليون مصري؟.