من المؤكد أن ظاهرة الإرهاب تحظى باهتمام الشعوب والحكومات فى شتى أنحاء العالم، وذلك نتيجة لآثارها الخطيرة على أمن الدول واستقرارها، بعد أن اتضح أننا أمام ظاهرة إجرامية منظمة ومخططة تهدف إلى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الأفراد والممتلكات، ما يعنى أن هذه الظاهرة تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير فى أوضاعها السياسية وضرب اقتصادياتها الوطنية عن طريق قتل الأبرياء وخلق حالة من الفوضى العامة، بهدف تضخيم الأعمال الإرهابية وآثارها التدميرية فى المجتمع.
وشكلت الأحداث الإرهابية فى الآونة الأخيرة أحد أهم الموضوعات التى تحرص الصحافة الإلكترونية على نشرها وعرضها لجمهور القراء، ومن المؤكد أنه لا توجد أحداث تثير اهتمام الصحافة والصحفيين أكثر من الأحداث الإرهابية، ويعود ذلك إلى ارتفاع درجة اهتمام مختلف الشرائح الاجتماعية بالعمليات الإرهابية، وجسامة الخطر الذى تمثله على حياة الوطن والمواطن، وتزايد رغبة الجمهور لمعرفة مصدر هذا الخطر وكيفية تجنبه، والطابع المثير للحدث الإرهابى ذاته، بما يتضمنه من خصائص الفجائية والضخامة والخروج عن المألوف، فتتسابق الصحف المحلية والعالمية فى تغطية هذه الأحداث.
ويعانى سكان شمال سيناء بحكم الموقع الجغرافى الذى جعلهم على خط النار بلغة الحروب فهم يعيشون حالة حرب منظمة، وتقوم الصحف الإلكترونية بعرض ومعالجة هذه الأحداث لحظةً بلحظة، وذلك نظرًا للتقنية الإلكترونية العالية التى تتميز بها، وقد يكون للصحف تأثير نفسى من خلال معالجتها لهذه الأحداث.
وأصبح البحث فى مفاهيم علم النفس، خصوصًا الإيجابية مطلبًا إنسانيًا ملحًا، بعد ما خاض البحث العلمى السيكولوجى فى المفاهيم السلبية والأمراض النفسية التى أرقت المجتمع الإنسانى طويلًا وعظمت من آثارها، لذا فإن الاهتمام بعلم النفس الإيجابى فى محاولة لمعرفة العلاقة بين معالجة الصحف الإلكترونية للأحداث الإرهابية والصمود النفسى لسكان محافظة شمال سيناء يُعد أمرًا جديدًا ومهمًا فى آنٍ واحد.
فى هذا الإطار، يأتى البحث المهم الذى أجراه د. أحمد عبدالكافى عبدالفتاح مدرس الصحافة بقسم الإعلام التربوى بكلية التربية النوعية جامعة المنيا، بعنوان: «تعرض سكان شمال سيناء للمواد المنشورة حول الأحداث الإرهابية فى الصحافة الإلكترونية وعلاقته بالصمود النفسي».
ومن خلال متابعتى الدقيقة والمتفحصة لبحوث الإعلام فى مصر والمنطقة العربية بل ومعظم الإنتاج العلمى فى المدرسة الغربية، يمكننى أن أقول إن هذه هى الدراسة الأولى فى مجال الإعلام التى توظف مفهوم «الصمود النفسي»، الذى يُعرفه البعض بأنه هو العمليات التى تشير إلى السمات النفسية التى تصف سلوك الفرد كالمرونة والمثابرة والتحلى بالصبر والإيمان، والصلابة النفسية، والتوقعات المستقبلية الإيجابية، وتكوين علاقات اجتماعية تغير من التفاعل المتبادل بين البيئة وما تحمله من أزمات ومحن وتهديدات وشدائد ومخاطر وصدمات يدعمها خبرات وتجارب الفرد وإدراكه للمساندة الاجتماعية.
ويرى البعض أن الصمود النفسى هو قدرة الفرد على التكيف بنجاح مع أحداث الحياة السلبية والمؤلمة، وأنه التكيف الناجح فى مهام الحياة فى مواجهة الحرمان الاجتماعى أو الظروف المعاكسة للغاية، وهو عملية ديناميكية تشير إلى قدرة الشخص على التعامل بفاعلية مع المحن والشدائد والسيطرة عليها، فضلًا عن إمكانية استعادة الثقة والتعافى بعد التعرض للأحداث شديدة الوطأة، وأنه القدرة الإيجابية على تكيف الفرد مع الضغوط النفسية، وتمكنه من أداء وظائفه بشكل جيد، والصمود هو عملية ديناميكية يمكن أن يتعلمها الفرد فى أى مكان فى الحياة.
ولكى نقيس الصمود النفسى لا بد أن ندرك أن هناك ثلاثة مستويات للعوامل التى تساعد فى قياسه، وأول هذه العوامل هى على المستوى الأصغر، وأخرى على المستوى المتوسط، وثالثة على المستوى الأكبر، هذا من ناحية العوامل التى تدخل فى صياغة الصمود. وبناءً على ذلك، فإن الصمود منتج أو مخرج وليس سمة، مخرج للتفاعل بين عوامل الخطر المتمثلة فيما تحمله العوامل الشخصية أو البيئية للفرد، ويتم التفاعل من خلال الاستراتيجيات الوسيطة أو الاستراتيجيات المعدلة، ويُقاس الصمود بمدى تحقيق الفرد لنواتج إيجابية مصاحبة أو لاحقة للتعرض للصعوبات، ونتيجة لهذه التركيبة الشبكية يُقاس الصمود بصورة غير مباشرة من خلال التغيرات الأكثر ارتباطًا به، وهى عوامل الوقاية أو التعويض من ناحية، وحجم المشكلات التى يُعانى منها الفرد كدالة للنواتج الإيجابية أو السلبية من ناحية أخري.
وتتمثل مشكلة هذه الدراسة المهمة فى أن الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية، وهو من أكبر التحديات التى يشهدها القرن الحادى والعشرون، ويمثل الشُغل الشاغل لجميع دول العالم، وبخاصة دول الشرق الأوسط، التى تتعرض لأعلى معدل من العمليات الإرهابية من قبل ميليشيات وجماعات مسلحة تستخدم أحدث فنون القتال وأحدث الأسلحة الفتاكة، وتتابع الصحف الإلكترونية عن كثب لحظةً بلحظة هذه الأحداث الإرهابية، وتعمل كمراقب لها ولدور القوات المسلحة المصرية والشرطة فى المقاومة.
ولأن بحوث علم النفس فى الفترة الأخيرة تميل إلى الناحية الإيجابية فى التطبيق على الأفراد، ويطلق عليه (علم النفس الإيجابي)، انطلقت فكرة هذه الدراسة لمحاولة معرفة العلاقة بين تعرض سكان محافظة شمال سيناء للمواد المنشورة عن الأحداث الإرهابية والصمود النفسى الناتج عنه.
وتبرز أهمية الدراسة فى تزامنها مع استمرار القوات المسلحة المصرية منذ يناير الماضى فى العملية «سيناء 2018»، التى صدر البيان (25) عنها الثلاثاء الماضى، لاجتثاث جذور الإرهاب، كما تقدم الدراسة رؤيةً موضوعية لقياس درجة تعرض عينة الدراسة من أهالى سيناء للمواد المنشورة عن الأحداث الإرهابية والعلاقة بين التعرض والصمود النفسي.
ونعرض نتائج الدراسة فى المقال المقبل.