السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

جورج ساند.. رواية فرنسية متناقضة

 جورج ساند
جورج ساند
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد تجربة جورج ساند من التجارب المهمة والفريدة في تاريخ الأدب العالمي حيث التناقضات الصارخة والمفارقات المستمرة، فمن حياة متحررة أشيع الكثير عن سلوكها الأخلاقي إلى صور أبطال رواياتها الساعين إلى الفضيلة والمستجيبين بسرعة لنداء صحوة الضمير.
ولدت "لأمانتين أورو لوسيل دوبين" وهو الاسم الحقيقي لجورج ساند في الاول من يوليو 1804، وسط عائلة ارستقراطية فرنسية عريقة، وكانت جورج تقيم تارة مع جدتها في الريف وتارة مع أمها في باريس، فعاشت حياة من الازدواجية وثنائية تصل حد التناقض، فعلى يد الجدة تعرفت على أعمال شكسبير وأرسطو وبايرون وباسكال ولوك وروسو وغيرهم الكثير من عمالقة الفكر ثم تزوجت عام 1822 من ابن بارون وأنجبت ابنها وابنتها، وما إن ماتت الجدة حتى انقلبت حياتها رأسا على عقب فعادت إلى باريس لتعيش بحرية، ضاربة عرض الحائط بكل القيم الارستقراطية المتوارثة. فكان أول التمرد بان ترتدي بنطلون وسترة الرجال وتدخن السيجار طيلة الوقت وتلتقي الأصدقاء الباريسيين والأجانب من الأوساط الأدبية، فتتعرف على "جيل ساندو" ليقربها من صديقه "هنري دي لاتوش" صاحب جريدة "لوفيجارو" الذي يعجب بأسلوبها في تحرير زاويتها اليومية مع صديقها والتي ينشرانها تحت اسم " ج. ساند " وهكذا تبدأ خطوتها الأولى في أروقة الأدب. وينشران معا رواية "الوردي والأبيض" عام 1831 لكنها بعد اقل من عام واحد تنشر روايتها الأولى منفردة بعنوان "إنديانا" وبنفس الاسم فتلقى نجاحا لم تعهده باريس ما جعل "لاتوش" يوصفها بأنها احد اثنين: إما أنها تقلد أسلوب بلزاك، أو أنها قلم عبقري جديد بدأ يطل بقرنيه. فيما اجمع النقاد الفرنسيون على العمق الفني وجدارته. وتستمر تكتب تحت اسم ج. ساند وتنشر روايتها الثانية "فالنتين" بعد أن تقاطع صديقها ساند وتصفه بالعالة الأدبية عليها.
اشتهرت جورج ساند بأدب الرسائل، وعرفت كذلك بسرعتها في الكتابة حيث كتبت رواية "فاديت الصغيرة" وهي من أجمل رواياتها في غضون أربعة أيام، فلقبت آنذاك "بالكاتبة المتدفقة كالنهر". كما كتبت جورج ساند أدب السيرة الذاتية تحت عنوان "قصة حياتي" تصف فيها بعض من تجاربها مع مجموعة من الأصدقاء الذين ارتبطوا بعلاقة حب معها مثل "بلزاك" و"سانت بوف" و"جوستاف فلوبير" و"دولاكروا" و"شوبان" و"موسية"، وقد تناول سيرتها الذاتية باحثون كبار وكتبوا دراسات عنها.. وتستمد رسائل جورج أهمية بالغة من حيث تأريخها لأحداث ووقائع ثقافية وفنية مهمة "بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية" التي عاشتها أوروبا في هذه المرحلة. وهي تعجّ بأسماء أعلام ومرجعيات تكشف عما كان يموج في أوروبا.
اهتمت جورج ساند بعد ثورة 1848، بالكتابات الاجتماعية والسياسية التي وصفها النقاد بعد ذلك بانها كتابات متطرفة ففي "رسالة الى الطبقة الوسطى" توجهت الى قرائها طالبة منهم التوحد في سبيل التوصل "الى حقيقة اشتراكية"، وفي "رسالة الى الأغنياء" شرحت أن إحساسها يؤكد أن فرنسا مدعوة الى خوض غمار الاشتراكية بعد قرابة القرن". واستمرت في كتابات مماثلة نشرتها في اعداد من مجلة "بيان الجمهورية" ومن بعدها في مجلة خاصة أسستها ولم يصدر منها سوى ثلاثة أعداد وهي مجلة "قضية الشعب". عاشت ساند هذه المرحلة الصاخبة من تاريخ فرنسا بحماسة وشغف لا مثيل لهما وناضلت وكتبت كما لم يكتب أحد من معاصريها إلا القلائل، وحين سحقتها نتائج الانتخابات الشعبية كتبت: "أنا أخجل اليوم من كوني فرنسية... لم أعد أؤمن بجمهورية تسحق وتدمر طبقة البروليتاريا."
وتفرغت ساند لكتابة رواياتها بعدما غادرت باريس وعادت مرة أخرى إلى الريف، حيث كتبت رواية "جان" و"كونسويللو" و"الطحان ودنجيبو"، كانت تكتب بغزارة، وكانت تنهمك في كتابتها وأعمالها في محاولة للهروب من عذاباتها، فقد عرفت الكثير من الألم في الحب والعائلة وهي التي قالت" دعوني أهرب من وهم السعادة الكاذب والمجرم! أعطوني العمل والمزيد من العمل والانشغال والتعب والألم والحماسة والشغف"، وهكذا استمرت حتى اللحظات الأخيرة من عمرها مقبلة على الكتابة والابداع بشغف كبير، حتى أننا نرى آثار هذا التوهج في كل الرسومات والمنحوتات التي رسمت لها على يد مبدعين ذاك العصر، تلك اللوحات التي تعكس وجه امرأة فريدة في الروح والعقل.