تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يتابع المفكر الاستراتيجى جوزيف ناى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأمريكية، فى كتاب «مستقبل القوة» الذى نقله إلى العربية أحمد عبدالحميد نافع، ومن إصدارات المركز القومى للترجمة، لواقع ومستقبل القوة الأمريكية فى القرن الحادى والعشرين بقوله: «حين يتحدث أو يكتب الناس عن القوة العسكرية، فإنهم يتجهون إلى التفكير فيما يختص بالموارد التى تشكل أساس سلوك القوة للحرب أو التهديد بالحرب، أى بالقوات، والدبابات، والطائرات، والسفن، وهلم جرا! وفى النهاية، إذا تحول الزخم إلى قوة للدفع يكون لهذه الموارد العسكرية أهميتها». ومنذ ألفيتين ونصف كتب ثوسايديديس Thu Cydidies، وهو يشرح لماذا قصد جنرالات أثينا الاستيلاء على جزيرة ميلوس وقتل سكانها واسترقاقهم، قائلا: «إن الأقوياء يفعلون ما يحلو لهم، ولكن الضعفاء يعانون مما يجب أن يعانوا منه». إن الحرب واستخدام القوة هما مرضان متوطنان فى تاريخ البشرية.
لقد شكلت الحروب الإمبراطوريات الكبرى إلى جانب الدول فى أوروبا الحديثة، ولكن من المهم أن نتذكر أن القوة القسرية الموجعة التى أنتجتها الموارد العسكرية يصحبها عادة درجة معينة من القوة الناعمة، كما يوضح الفيلسوف ديفيد هيوم David Hume فى القرن الثامن عشر، أنه لا يمكن لبشر أوتى ما يكفى من القوة أن يهيمن على الآخرين جميعًا.
ويطرح جوزيف ناى سؤالا بالغ الأهمية، هل تضاءلت جدوى القوة العسكرية بمرور الوقت؟ ويجيب عليه بقوله: «تستخدم الدول بشكل واضح فى أيامنا هذه القوة العسكرية، ولكن منتصف القرن الماضى شهد تغيرات فى دورها، وتجد دولًا عديدة، سيما الكبيرة منها، أن القوة العسكرية مكلفة فى استخدامها بهدف تحقيق أغراضها بشكل أكبر مما كان عليه الحال فى أوقات سابقة».
ربما تكون القوة فى حال سكون، ولكنها ليست خارج المشهد، وبدلًا من ذلك يتخذ استعمال القوة أشكالا جديدة. وقد كتب المنظرون العسكريون عن حرب الجيل الرابع التى ليس لها أحيانا (معارك أو جبهات محدودة) والتى ربما يختفى فيها التمييز بين ما هو مدنى، وما هو عسكرى. وبحسب هذا النظر عكس الجيل الأول للحرب الحديثة أساليب الخطوط والأعمدة على إثر الثورة الفرنسية، فى حين اعتمد الجيل الثانى على كثافة قوة إطلاق النار، كان أوجها فى الحرب العالمية الأولى، وشعارها «أن تقهر المدفعية ثم تحتل قوات المشاة»، وظهر الجيل الثالث فى المناورات والأساليب التى طورها الألمان لكسر مأزق حرب الخنادق فى ١٩١٨، وما أنجزوه لاحقا بأساليب الحرب الخاطفة التى مكنتهم من هزيمة قوات الدبابات الفرنسية والبريطانية الأكبر عددًا فى غزو فرنسا ١٩٤٠، وقد أفضت كلتا الفكرتين إلى جانب التكنولوجيا إلى هذه التغيرات وينطبق الأمر نفسه بشكل صحيح اليوم على الجيل الرابع الذى يركز على مجتمع العدو وإرادته السياسية للقتال، وكما وضعها أحد أصحاب النظريات «إن كل جيل تالٍ يصل إلى درجة أعمق داخل أراضى العدو فى محاولة لإلحاق الهزيمة به».
وبعد أن تحقق الاستراتيجيون الصينيون من أن المواجهة التقليدية مع الولايات المتحدة إنما هى عمل أحمق، عززوا استراتيجية «الحرب غير المقيدة» التى تأتلف الأدوات الإلكترونية، والدبلوماسية والتجمع الإلكترونى والتفويض والوكالة للقيام بأعمال إرهابية والأداة الاقتصادية والدعاية لخداع النظم الأمريكية وإرهاقها. وكما وضعها مسئول عسكرى صينى، «إن القاعدة الأولى للحرب غير المقيدة هى أنه لا يوجد ثمة قواعد». إن البحث عن أساليب غير تقليدية لمواجهة الحرب غير المتماثلة ليس شيئًا جديدًا بل يمكن إرجاعه إلى ألفى سنه إلى سون تزو Sun Tzu، وهو مشهور بإبراز أن أفضل ما يمكن من الكسب هو ألا تضطر للحرب. وليست الحكومات هى فقط والمحاربون الذين يفهمون هذه الحكمة العتيقة، بل لقد فهم الإرهابيون طويلًا أنه لا يمكنهم البتة أن يأملوا فى مواجهة مباشرة مع أى قوى كبرى، وبدلا من ذلك استوحوا إلهام المصارعة اليابانية عن طريق الدفع ضد قوة حكومية لتستخدمها ضد نفسها، كما تخطط الأعمال الإرهابية بهدف الإهانة وإثارة ردود الأفعال من الطرف القوى، وعلى سبيل كانت استراتيجية أسامة بن لادن تعتمد على إثارة الولايات المتحدة فى ردود أفعال قد تحطم مصداقيتها وتضعف حلفاءها عبر العالم الإسلامى، وتفضى فى نهاية الأمر إلى إرهاقها وقد وقعت الولايات المتحدة فى هذا الشرك بغزوها للعراق وفشلها المتلازم الذى تبع نجاحها المبكر فى أفغانستان، وتتبع القاعدة تكتيك «رئيس التحريض»، عوضا عن رئيس الأركان، وهذا يسمح للتنظيم بمرونة كبيرة على التجنيد الذاتى للمجموعات المحلية فى شبكاتها.
وللحديث بقية.