كل عام ومصرنا بألف خير، فى 30 يونيه و3 يوليو 2013 أعلنت مصر وشعبها الانتصار على فاشية النظام المتأسلم الذى حكم واستحكم ومضى فى طريقه نحو تفكيك الدولة المصرية، الأحداث ليست بعيدة فى الزمن حتى ننساها، الكل عاش تلك السنة السوداء ورأى بعينه ميلاد الميليشيات المسلحة التى هتفت ضد الناس ورفعت الشوم والرصاص والمولوتوف ضد الجميع، رأينا ولكننا نحب النسيان، على كل حال ليس هذا هو موضوعنا الآن، كل ما نريد قوله هو أن التاريخ الذى عاشته مصر من قبل يناير 2011 بعشر سنوات على الأقل حتى لحظتنا الراهنة فى حاجة إلى ضمير علمى ليتم تدوينه ورصده وتحليله وكتابته بأمانة ونزاهة، ليس من أجل إعلاء طرف على طرف ولكن رحمة بالأجيال القادمة.
فالمتابع للشأن المصرى يلمح بوضوح أن الرأى العام يعيش فى خصومة حادة بين يناير ويونيه، حتى أن البعض قال عن الأولى 25 خساير وأطلق على الثانية 30 سونيا، والحقيقة هى أن الطرفين كاذبان، فلولا يناير التى حرثت الأرض وعملت على تقليب التربة السياسية، ما وصلنا إلى يونيه التى قالت بوضوح إن مدنية الدولة خط أحمر، وقالت الكثير الذى نحلم بتنفيذه على الأرض يومًا ما، فكتابة التاريخ الشخصانية والمغرضة لها من الأضرار ما يتجاوز اللحظة ويهدد المستقبل، وكما قال المؤرخ المصرى المخضرم الدكتور عاصم الدسوقى، إن كتابة التاريخ لا يمكن لها أن تنجح إذا كتبتها من زاوية المحاكمة، ولكن أساس كتابة التاريخ هو تفسيره، وهذا هو المطلوب الآن بجدية ودأب واهتمام، فلقد انتقلنا بعد سنوات قصيرة من فاصلتى يناير ويونيه إلى الاحتفال بالحقيقة وانتهاء مرحلة الاحتفال بالبالونات الملونة أو الشتائم المتبادلة.
يناير ويونيه هما أهم علامتين فى السنوات الأخيرة، لذلك نظلمهما كثيرًا لو اتجهنا بهما إلى الخندقة أو إلى الاحتكار بهدف صنع بطولات وهمية كاذبة، فشهود العيان مازالوا على قيد الحياة، وملفات إدارة يناير ويونيه مازالت متاحة، ولا تنقصنا مراكز الأبحاث أو العقول الناضجة علميًا وأكاديميًا، وعندما تبتعد الكتابة عن الهوى تدخل فى سجل الخلود لتكون جسرًا ما بين الماضى والحاضر والمستقبل، يناير جاءت كضرورة حتمية وحصاد لحراك سبقها بسنوات من الحركات المختلفة والمطالبة بالتغيير من أحزاب اليسار وحركة كفاية، من خيبات مبارك التى دمرتنا إلى منهجية الفساد، كل ذلك كان يؤدى بوضوح إلى الانفجار الكبير فى 25 يناير.
ولما كانت تنظيماتنا المدنية تعانى من الانقسامات والشللية بل والعصبوية فى بعض الأحيان، كان من السهل للتيار المنظم المتأسلم أن يصعد بجبروته الذى تجلى فى منطق «أهلى وعشيرتي»، ومن هنا تصحو الدولة المصرية من جديد لتسجل للعالم والتاريخ أكبر حشد فى الشوارع ليطالب بإسقاط الإرهابيين الذين تحكموا فى قصر الرئاسة.
القاسم المشترك بين يناير ويونيه هو حضور جيشنا الوطنى بشكل واضح وحاسم ومؤثر، ونبدأ من يونيه فإذا كان منطق البعض يتجه لوصفها بانقلاب معتمدًا على دعم الجيش لحركة الشعب، فالشيء بالشيء يذكر، ونستطيع وصف يناير أيضًا بالصفة ذاتها، لأن الجيش ساندها وأزاحت حكم مبارك، لذلك نجد أن التنابز بالمصطلحات جريمة تاريخية، وللأسف الشديد يرتكبها بشكل يومى من نسميهم نخبة سياسية، فلا يوجد ألعن ممن خرج من أجل فكرة، ثم ينقلب على خروجه لأسباب فى الغالب الأعم هى أسباب شخصية.
لو تكررت يناير ويونيه ألف مرة لشاركت فيهما غير نادم بل سأظل فخورًا بذلك الحجر الصغير الذى يحرك البركة الراكدة، ومهما كانت الصعوبات التى نلقاها على طريق الدولة المدنية فلابد من الاشتباك معها حتى نصل إلى اليوم الذى نقول فيه قمنا بثورة ونجحت.