كان اليوم الأسود فى تاريخ مصر، يوم أن أعلن المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات فوز «محمد مرسي» بكرسى الرئاسة فى ٢٤ يونيو ٢٠١٢، يومها لم تُضَيِع جماعة الإخوان الوقت واتفقوا على ضرورة تنفيذ المُخطط الخبيث الذى تم الاتفاق عليه مع الأمريكان بسرعة شديدة، فقد وصلوا للسلطة وأصبحوا (صناع القرار) وكان لزامًا عليهم رد الجميل لمن ساعدهم للسيطرة على «مصر» وعليهم دفع الفواتير بصفة مستعجلة لمن ساعدوهم.
ما حكاية (المُخطط) الذى تم الاتفاق عليه بين (الإخوان والأمريكان)؟.. باختصار شديد: «المُخطط» عبارة عن «عملية هات وخُد»، وحكايته فى نقاط محددة كالآتى:
_ كان الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» قد رفض اقتراحًا قدمته «أمريكا وإسرائيل» بخصوص حل نهائى للقضية الفلسطينية عام ٢٠٠٤ وطوال الـ(٧) سنوات الأخيرة من حكمه، وتم إعادة طرح الاقتراح مرة أخرى والضغط عليه لقبوله بشتى الطرق فى (مارس ٢٠١٠) لكنه رفض هذا الاقتراح نهائيًا، بل رفض حتى مناقشته أو مجرد فتح نقاش حوله.
_ اضطرت «أمريكا وإسرائيل» للجوء لقوى أخرى فى مصر تكون مُنظمة وتساعدها للوصول للسلطة وتُنفذ هذا «المُخطط»، وكانت هذه القوى هى (جماعة الإخوان) التى قبِلت بتنفيذ «المُخطط» دون شروط بل إنها وافقت بسرعة منقطعة النظير ووعدت بتنفيذه فى أقرب وقت حيال وصولها للسلطة.
_ وما هو «المُخطط» الذى عرضتهُ أمريكا وإسرائيل على مبارك ورفضُه، وعلى الإخوان ووافقوا؟ هو: قيام كل من (معهد «بيجين السادات» للدراسات بوضع حلول غير تقليدية بالتعاون مع «منظمة الهيبك التى تهتم بالمناطق الأكثر فقرًا فى العالم» و«معهد الشرق الأدنى فى أمريكا» وهذه الحلول غير التقليدية تتناول وضع إطار للوضع السلمى فى الشرق الأوسط من خلال «نظرية تبادل الأراضى غير التقليدية والمفتوح لحل القضية الفلسطينية».
_ وتنص «نظرية تبادل الأراضي» على:
تنازل مصر على ٧٢٠ كم تحديدًا من (حدود مصر الشرقية حتى مدينة الشيخ زويد بالقرب من قرية الريسة وبامتداد جنوبًا ٣٠ كم) على أن تتم إضافتها إلى الـ(360 كم) وهى مساحة قطاع غزة، وبالتالى يكونوا قد أزالوا حالة الاحتقان الموجودة فى غزة ضد إسرائيل لأن قطاع غزة مساحته (٣٦٠ كم) ويقيم فيه مليون و٨٠٠ ألف مواطن.. والتى من المتوقع أن يرتفع عدد سكان غزة فى عام (٢٠٢٠) إلى حوالى (اثنين ونصف) مليون نسمة. وهذه تمثل مشكلة أمنية واجتماعية كبرى فى وجه إسرائيل.
إسرائيل رفضت تنفيذ هذا الطرح من خلال أراضيها واضطرت إلى تنفيذه من خلال مصر وطرح عملية تبادل الأراضى مع مصر، مقابل ذلك ستحصل مصر على ٧٢٠ كم فى «صحراء النقب» من خلال إنشاء طريق دولى يقوم بتنفيذه البنك الدولى بالتعاون مع بعض الدول المانحة ليربط مصر بالسعودية ودول الخليج وبدون المرور على إسرائيل.
مساحة الطريق فى «صحراء النقب» تبلغ ٧٢٠ كم بالضبط وهى نفس مساحة الأرض التى ستتنازل عنها مصر للانْضِمام لقطاع غزة، بحيث يكون الطريق (ممرًا) غير خاضع لسيطرة إسرائيل وسيتم تأمينه دوليًا برقابة شديدة، وليكون أيضًا منفذًا لمصر لمنطقة الخليج كلها.
بموجب «عملية تبادل الأراضي» ستحصل إسرائيل مقابل تنازلها عن (٧٢٠ كم) فى «صحراء النقب» على (٧٢٠ كم) من الضفة الغربية التى تسيطر عليها السلطة الفلسطينية (أى أن غزة تأخد أرضا من مصر.. ومصر تأخذ أرضا من إسرائيل.. وإسرائيل تأخد أرضا من الضفة الغربية).. يا الله: إنه مخطط يهودى مدروس جيدًا لإنشاء الدولة اليهودية دون تقديم إسرائيل لأى تنازلات.
بموجب «عملية تبادل الأراضي» ستحصل «مصر» على «محطة تحلية مياه» فى شمال سيناء لإنتاج (٥٠٠) مليون متر مكعب مياه لتعويض نقص المياه الناتج عن ضعف حصة مصر من مياه النيل نتيجة بناء إثيوبيا سد النهضة، ليس هذا فقط بل إن «أمريكا وإسرائيل» ضغطتا على إثيوبيا نتيجة العلاقات الوطيدة بينهم من أجل تحجيم حصة مصر من مياه النيل لإحداث قلق لمصر والنتيجة: استحالة مصر التصدى للمُخطط والحصول على (محطة تحلية مياه) فى شمال سيناء بشرط أن يتم إمداد إسرائيل وقطاع غزة من هذه المياه.
لم تستطع جماعة الإخوان السير فى خطتها لتنفيذ «عملية تبادل الأراضى»، نتيجة انكشاف أمرِهِم وتنامى حالات الغضب الشعبى ضدهُم وقيام ثورة ٣٠ يونيو العظيمة وخروج المصريين للشارع ومُطالبتهم بسقوط حُكم المُرشد وجماعته ومندوبه فى الرئاسة.. ومرت الأيام ولم تهدأ المُطالبات الأمريكية والإسرائيلية بضرورة إيجاد حل نهائى للقضية الفلسطينية يخدم أهدافهما، خاصة أن الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب كان قد أعلن عن عزمه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ووقع بالفعل على نقلها، وهو ما سيجعل من المُطالبات الدائمة من الدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر بضرورة حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يقضى بـالقدس عاصمة الدولة الفلسطينية مع إعادة الأوضاع لما قبل 5 يونيو ١٩٦٧ وعودة الأراضى العربية المحتلة، وضمان حق العودة، والأهم: عدم موافقة مصر على عملية تبادل الأراضى ورفض أى تفريط فى الأراضى المصرية ورفض أى حلول من شأنها أن تتنازل مصر على جزء من أراضيها
لكن الإدارة الأمريكية على ما يبدو مُصممة على السير فى طريقها نحو الضغط على الأطراف الفلسطينية وحل القضية باعتبار (أبوديس) عاصمة لفلسطين، والدليل زيارة «جاريد كوشنر» كبير مستشارى الرئيس الأمريكى ومبعوثه للشرق الأوسط لعدد من الدول العربية ومحاولة ترويج لهذه الأفكار.
لكن الرفض العربى لـ (عملية تبادل الأراضى) والتى أطلق عليها بـ(صفقة القرن) جعل الإدارة الأمريكية تعلن خلال مناقشات تم تسريبها فى عدد من وسائل الإعلام الغربية بأنها من المُمكن تأجيل المفاوضات حول وضع القدس وعودة اللاجئين لمفاوضات لاحقة شريطة أن تكون حدود الدولة الفلسطينية المُزمع إعلانها الآتى (حدودها قطاع غزة والمناطق (أ) و(ب) وأجزاء من المنطقة (ج) فى الضفة الغربية، مع قيام الدول المانحة بتوفير ١٠ مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية بما فى ذلك مطار وميناء بحرى فى غزة.
بالتأكيد هناك ضغوط خارجية لا تتوقف على الفلسطينيين للقبول بالصفقة، خاصة وأن الإدارة الأمريكية أعلنت من قبل أن هناك حلًا للأزمة سيتم إعلانه وتطبيقه فى أغسطس القادم، لكن مصر التى رفض شعبها تبادل أراضيها وأسقط النظام الذى تورط فى هذا المُخطط تفرض رأيها الآن وتؤكد على ضرورة عودة الأراضى المحتلة لما قبل (٥ يونيو ١٩٦٧)، على أن تكون صفقة القرن حلًا للقضية الفلسطينية وليست على حساب مصر وأراضيها ودون التورط فيها من قريب أو بعيد.