للصحف الإقليمية التى تصدر عن المحافظات فى بلادنا، جذور وطنية عميقة ترجع إلى بدايات الأربعينيات فى القرن الماضى بصدور جريدة «الإسكندرية» ١٩٤٦، التى كانت تصدرها الغرفة التجارية بالمحافظة، مرورًا بصحف المحافظات الإقليمية التى كانت تحمل اسم «صوت» مقرونًا باسم المحافظة ذاتها مثل جرائد صوت «السويس- بورسعيد- المنوفية- المنيا- سوهاج- الصعيد..»، بينما حلت جرائد إقليمية أخرى بالمحافظات تحمل اسم «أخبار» «بنى سويف- سوهاج- أسيوط- دمياط».
كما شهدت إصدارات للصحف الإقليمية تحمل أسماء سكانها أنفسهم مثل جريدة «سواسية- البورسعيديون- الشراقوة- الأسوانيين والسوهاجية- البحاروة والبحراوية»، هذا غير إصدار بعض الصحف بأسماء بعض المدن أو الأحياء منها «حلوان- المعادى- مدينة نصر- النوبة».
والمتابع لتلك الإصدارات المهمة أو الدارس لها يكتشف أنها كانت تصدر عن دواوين المحافظات أو باسم المجالس الشعبية المحلية أو تصدر عن طريق الغرف التجارية أو بعض الجمعيات الأهلية.. أو بمبادرات شخصية وبشكل مستقل من المهتمين بالعمل الصحفى والإعلامى من أبناء تلك المحافظات.
وعلى الجانب الإيجابى والمهم هو اهتمام بعض الأحزاب السياسية بإصدارات خاصة للصحف الإقليمية؛ حيث تجربة حزب «الوفد»، بإصدار صحف إقليمية تحمل جريدة «الوفد» بمحافظات «السويس- المنوفية- البحيرة- كفر الشيخ- بنى سويف». كما اهتم حزب «التجمع» بإصدار صحف إقليمية فى محافظات السويس «جريدة النضال»، والدقهلية «أهل بحرى»، وفى الإسكندرية جريدة «التجمع».. غير تجارب محافظتى القاهرة و«حلوان».
وهناك تجارب مهمة لجريدتى «المصرى اليوم والشروق» فى محاولتهما لإصدار صحافة محلية خاصة بمحافظة الإسكندرية.
ورغم معاناة تلك الصحف والإصدارات الإقليمية بالمحافظات بشكل عام من مظاهر حادة من التحديات والمشاكل التى كان أبرزها «التمويل- ضعف الأشكال الفنية والإدارية- ضعف القدرات البشرية مع انعدام التدريب.. وغيرها»، مما أدى إلى انحسار هذه الصحف فى أشكال عدم الانتظام، ثم التوقف عن الصدور بسبب تلك المشاكل وغيرها التى كانت تواجه تلك الصحف.
ولعل المتابع والدارس لتلك الإصدارات يدرك مدى أهمية تلك الصحف فى مدى اهتمامها بالتعبير عن هموم ومشاكل ومستقبل وطموحات أبناء الأقاليم، ورغم ما واجهته من مشاكل؛ فإن هذه الصحف قد اشتبكت بالفعل مع الواقع والمشاكل الحقيقية التى كانت وما زالت يعانى منها المواطنون فى المحافظات والمحليات بشكل عام.
وقد لفتت تلك الإصدارات من الصحف الإقليمية على كثرتها واتساعها نظر الخبراء وأساتذة الصحافة والإعلاميين ونقابة الصحفيين، وانعكس الاهتمام لهذه الصحف بعقد معارض ومؤتمرات لدراسة المشاكل والتحديات التى تواجه تلك الصحف، وقد صدرت توصيات مهمة فى مؤتمرات عدة منها مستقبل الصحف الإقليمية الذى عقد فى الإسماعيلية، أو مؤتمر المنيا الشهير حول التحديات ومستقبل الصحافة الإقليمية.. وغيرها من بعض الأبحاث والدراسات والكتب التى صدرت عن بعض كليات الإعلام المختلفة، غير أن التوصيات ظلت حبرًا على ورق منذ صدورها ومنذ سنوات طويلة وحتى الآن.
ورغم الحاجة الماسة فى بلادنا لأهمية العمل على تطوير تلك الصحافة، خصوصًا مع الحصار الإعلامى وسيطرة الصوت الواحد، ومع ما يواجه الصحف الحكومية والمستقلة فى بلادنا من مشاكل مالية وإدارية وفنية تواجه شباب الصحفيين فى شكل علاقات عمل صعبة ومشاكل مالية تؤدى إلى الفصل والتشريد مع قلة الرواتب.. فضلًا عن تراكم الديون وقلة التوزيع أو الاهتمام بالصحافة الورقية.. وحتى مستقبل الصحافة الإلكترونية.
وإذا كنا فى بلادنا نبحث عن مخارج وحلول لمستقبل صحافة أكثر تعبيرًا عن أمانى وطموحات ومشاكل المواطنين، ونتحدث كثيرا عن التنمية ومواجهة الفساد ونشر الأخبار والتحقيقات والحوارات الثرية والموضوعية، والارتقاء بالمستوى المهنى والعملى والواقعى للصحافة فى بلادنا. وإذا كنا نتحدث عن أحلامنا من أجل الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة أو غيرها مما نريده للأفضل لبلادنا من أجل تحقيق اللامركزية وتطبيق الديمقراطية الشعبية من أجل مواجهة حقيقية للفساد وتحسين حياة المواطنين المصريين من أجل حياة تليق بهم. فإن الفرص مواتية وبشكل حقيقى من أجل أن تتبنى المؤسسات والمجالس الإعلامية ونقابة الصحفيين وغيرها من كليات الإعلام وخبراء وأساتذة الإعلام فى مصر.. بضرورة الاهتمام بالصحف الإقليمية بالمحافظات ودعمها ماليًا وفنيًا وإداريًا وسياسيًا وإعلاميًا من أجل إعلام مسئول اجتماعيًا وإنسانيًا عن صحافة حقيقية تعبر عن طموحات أهالينا فى المحافظات، ومن أجل تطبيق ديمقراطية اللامركزية من أجل مستقبل أفضل لبلادنا.. والمهم التطبيق والأفعال..!!