المتابع لما يحدث فى الفترة الأخيرة من سلوكيات غريبة على مجتمعنا وحالة الانقسام المتزايد بين طوائف الشعب المصرى المختلفة والرغبة المستمرة فى الانجرار خلف كل إشاعة بشكل ساذج دون أدنى محاولة للتثبت من صحتها، يجد أن الكثير من المفاهيم المغلوطة المنتشرة، والتى لا تجد من يتصدى لها ويحاول إفهام المواطن حقيقتها، ووجدت أنه من واجبى أن أحاول توضيح بعض النقاط التى قد تكون خافية على عدد ليس بقليل من المواطنين أو مفاهيمها مختلطة عليهم.
• أول جملة غير منطقية هى "الحكومة يجب أن تحدد الأسعار" وهى جملة لا تتماشى مع نظام السوق الحرة الذى اتبعته مصر منذ سنوات عديدة وغير موجود فى أى دولة فى العالم إلا فى الدول التى تتبع النظام الشيوعى وهو ان كل شىء يكون ملك الحكومة فعلا ولا وجود للقطاع الخاص، ولكن حتى لو اتبعنا هذا النظام لن يتغير شىء، ولن ينصلح الحال وأبسط دليل على ذلك هو النظر إلى الدول المتبعة لهذا النظام، وهل تعيش فى رخاء وتقدم أم لا؟
• الجملة الثانية المغلوطة هى "ادفعلى زى بره طالما بتخلى الاسعار زى بره"، وهو كلام يقال على غير علم أو فهم لأن الأسعار فى أى مكان فى العالم ترتبط بالتكلفة، أما المرتبات فترتبط بالإنتاج، ولا توجد دولة فى أى مكان فى العالم رواتبها مرتبطة بالأسعار، لأن هذا يؤدى إلى ما يسمى بالتضخم بمعنى أنه فى حالة أن راتبك 50 جنيهًا وكيلو الفراخ بـ50 جنيهًا، وكان إنتاجك ثابتًا فإن الطريقة الوحيدة لإعطائك راتب 100 جنيه هو أن نطبع نقودًا جديدة (أى خارج المعدلات الطبيعية للطباعة)، وهو ما سيؤدى وقتها أن تصبح الفراخ بـ100جنيه ونكون مضطرين أن نرفع راتبك إلى 200 جنيه، ونظل ندور فى دائرة مفرغة حتى يصل بنا الحال إلى أن نكون مثل الأرجنتين أو فنزويلا، ويصل التضخم بالسلعة أن تكون بـ10 آلاف جنيه حتى تفقد العملة قيمتها.
• جملة أخرى (اعملى خدمات زى بره وخد منى ضرايب زى بره) وهنا سؤال، حضرتك بتقبض قبل الشغل ولا بتشتغل الأول؟ هل تأخذ درجتك قبل الاختبار أم تدخل الاختبار أولا؟ ببساطة وحتى لا ندخل فى نظرية البيضة ولا الدجاجة، يجب أولا أن تشترى الدجاجة، وتقوم بتربيتها وتصرف على مأكلها ومشربها وتنتظر منها البيض بعد ذلك بمعنى أن الدولة مثلها كسائر دول العالم لا بد أن تكون لديها أموال بالشكل الذى يحقق لها فائضا يسمح بأن تقوم بتحقيق أحلام مواطنيها وهذه الأموال تكون عن طريق إنتاج هؤلاء المواطنين من عملهم، وفى حالة أن هؤلاء المواطنين إنتاجهم ضعيف أو ليس لهم إنتاج فإنه من المنطقى تعويض هذا العجز عن طريق الاقتراض الخارجى أو الداخلى أو رفع الضرائب، وفى جميع الأحوال لن تستطيع الدولة أن تفى باحتياجات مواطنيها.
• (الدولة عندها 100 مصدر تجيب منه فلوس غير أنها تاخد من المواطن)، وهنا يجب أن نعرف أن الدولة كدولة ليست كيانًا تجاريًا، ويمكن ألا تكون منافسًا تجاريًا فى الأنظمة الرأسمالية التى تنتهج السوق الحرة، مثل مصر وإلا وجب إتباع النهج الشيوعى أو كما يسميه البعض الإشتراكى وليس فيه ما يسر عدو ولا حبيب كما سردنا فى نقطة سابقة، ولنا مثال حى فبرغم أن نصيب الجيش فى الاقتصاد المحلى وفقا لما قاله السيد الرئيس لا يتعدى الـ5% فإنه لم يسلم من الهجوم والنقد وأنه معوض لعجلة الاقتصاد، ويقضى على سبل المنافسة وعلى فرص الشركات فى العمل.
• (قلل مرتبات الوزراء بدل ما تزود على الشعب) وهى كلمة حق يُراد بها باطل، فهل تعلم أخى المواطن أنه فى أى مكان فى العالم كى تستطيع أن تجذب كفاءات للعمل والاستفادة بخبراتها ستكون مضطرًا أن تغريه بدخل شهرى كبير -مثلما نفعل فى كرة القدم- أما أن تقول لأى شخص ذى كفاءة استثنائية اعمل واحصل على 20 أو 30 ألف جنيه، وأن تكون معرضًا للشتيمة والإهانة، ويمكن السجن فى بعض الأوقات فهو موقف لن يقبله إلا مجنون أو فاسد، وما أقوله هنا لا علاقة له بسوء أو حسن اختيار الوزراء بل كمبدأ عام، ومن المعروف أن أى مدير قوى وكفء يصل دخله إلى حوالى نصف دخل مجموع موظفيه.
وعليه فإنه الضرورى أن نصارح أنفسنا بمشاكلنا ونشخصها التشخيص الصحيح ليس من باب جلد الذات ولكن حتى نستطيع التعامل معها وتخطيها وأهم تلك المشاكل هى الزيادة السكانية. فإذا علمنا أن تعداد مصر السكانى زاد فى الفترة من 2011 وحتى 2018 بمعدل 18% تقريبا فى حين أن دولة مثل الصين بلغ معدلها 3.5% والهند 8.5%، وهنا ينبغى أن ندرك أن الزيادة السكانية كى تكون نعمة وليست نقمة يجب أن يكون عندنا نمو اقتصادى أضعاف نسبة هذا النمو، وللأسف فإنه من المستحيل أن يحدث هذا النمو فجأة أو على مرحلة واحدة، لأنه فى حالتنا هذه كلما زاد معدل النمو الاقتصادى ضاع أثره بسبب الدعم والتوسع فى المرافق بما يوازى الزيادة السكانية التى تحدث، وبالتالى ستظل المشكلة قائمة.
علينا تغيير الكثير من سلوكياتنا فلا معنى أن نعانى من ارتفاع المصروفات والجوع وكل فرد فى الأسرة معه تليفون محمول حديث متصل بالإنترنت طوال الوقت ولا معنى أن نجرى جميعا على فكرة الشقق التمليك -هل تعلمون أن فى أوروبا وأمريكا معظم مواطنيهم يعيشون بالإيجار وليس التمليك؟- وجميعنا يعلم أنه إذا قسمنا دخل الموظف المصرى الحكومى -إلا من رحم ربى- على عدد ساعات عمله الفعلى سيكون أكبر من مثيله فى أماكن أخرى.
فى مثل تلك الفترات العصيبة التى تمر بها الأوطان يكون لزامًا على أهلها أن يعملوا العقل والتدبر فى كل ما يُقال حولهم، وألا ينقادوا للشائعات التى تهدم ولا تبنى وأن يعوا جيدا مصلحة وطنهم وهدفهم الأسمى المرجو الوصول إليه، أعلم أن الحال صعب على الكثيرين، ولكنه اختبار وفُرض علينا وعلينا اجتيازه.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها