الإفراج عن جميع الغارمات من السجون المصرية، خبر قصير من كلمات معدودة، ولكنه يمتد بالطول والعرض ليفتح الحوار حول محورين، الأول هو ثقافة الشراء والاستهلاك والثانى هو الثقافة القانونية وإجراءات التقاضي، الغارمات بالسجون المصرية هن الوجع الذى تقف أمامه عاجزًا عن تحديد الجانى من المجنى عليه، ملف كلما تأملته يصيبك الحزن فتغلقه وتصمت، لذلك جاء أمر الرئيس عبد الفتاح السيسى لوزارة الداخلية بالإفراج عن جميع الغارمات من السجون بعد سداد مديونياتهن كفرصة لنبحث معًا عن الطريق الذى يصل بنا إلى مصر بدون غارمات.
بشكل عام لا يمكن اعتبار تدنى الحالة الاقتصادية لشرائح فى المجتمع مبررًا كافيًا لنشوء ظاهرة الغارمات فى السجون، وأرى أن الغارمات هن ضحايا الإعلانات والإعلام وثقافة الاستهلاك، الغارمات وتحت ضغط المسايرة وقعن ضحايا لتجار أقرب إلى السماسرة لا يعرفون عن أصول التجارة إلا التعامل مع قطاع من المحامين الذين فقدوا ضمائرهم لينصبوا الشباك بإيصالات الأمانة والشيكات الورقية والضغط المتواصل حتى ترضخ السيدة المصرية التى تعاملت معهم إما أن تتسول مديونيتها وتسددها لهم أو تسكن ظلام الزنزانة التى تدخلها بمباركة تشريعات تحتاج إلى مراجعة.
المعروف فى إيصالات الغارمات أنها على بياض، حررتها المرأة أملًا فى إرضاء ابنة لها مُقبلة على الزواج وتريد إسعادها بثلاجة أو ما شابه، حررتها أملًا فى تغيير الأحوال لتقدر على السداد، وللأسف لا ترضى الابنة ولا تتغير الأحوال ويصبح باب السجن هو الأقرب ليتم تدمير أسرة بالكامل.
لا شك أن أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتدخل والإفراج عن 960 غارمًا وغارمة ليقضوا أول أيام العيد مع ذويهم هو أمر يستحق الاحترام والتقدير، كما يعتبر تدخل صندوق «تحيا مصر» وسداده المبالغ المالية المستحقة كديون على الغارمين والغارمات هو تدخل فى محله، لأنه توجه هذه المرة إلى شريحة إنسانية من المجتمع المصرى مباشرة وقام بسداد مبالغ اقتربت من ٣٠ مليون جنيه، وبذلك يكون باب الكلام عن الحماية الاجتماعية قد انفتح، وعلى مؤسسات الدولة المختلفة أن تتلقف الكرة وتجتهد بالبحث والدراسة واتخاذ الخطوات اللازمة حتى لا تتكرر مثل تلك المآسى مستقبلًا.
القنوات التليفزيونية المختلفة من الممكن لها أن تنتج عشرات الأفكار التى تحذر من السقوط فى فخ إيصال الأمانة والشيكات التى على بياض، وزارة العدل من الممكن لها أن تتخذ خطوات سريعة لفلترة عشرات القوانين الاقتصادية التى تدفع بالصغار إلى السجون بينما ثغراتها لبراءة الكبار معروفة، إن ظاهرة المسجون شبه البرىء تضرب وبعمق على الاستقرار المجتمعى وتخلق حالة مجانية من الكراهية، بل من الممكن لها أن تكون بداية الطريق إلى الجريمة المحترفة.
لذلك وقفت كثيرًا عند أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يكشف مرارة الغارمين والغارمات الذين تهددت بيوتهم لعجزهم عن سداد بضعة مئات من الجنيهات، فالكلام عن الفردية فى حل مثل تلك الظواهر لا يحل المشكلة من جذورها وعلينا أن نواجه أنفسنا بأزمتنا التى تتجلى بقصر نظر بعض التشريعات وكذلك أزمتنا فى ملف إجراءات التقاضى التى أضاعت حقوق واضحة وسجنت شبه الأبرياء، وعلينا أن نعترف بأن لدينا سوقا مشوهة وتجارًا لا يعرفون من أصول التجارة إلا درج النقود والسلعة المغشوشة، علينا أن نعترف بأن لدينا ثقافة وإعلاما يمشيان فى واد بينما المجتمع غارق لأذنيه فى واد آخر.