ثمة علاقة وطيدة كانت -ولا تزال- بين الرياضة والسياسة، فهى علاقة موجودة منذ عهد الإغريق والحضارات القديمة، وفى عصرنا الحديث زادت هذه العلاقة مع ازدياد أهمية الرياضة وسحرها وتطورها، وارتباطها التام بتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، خصوصًا فى هذا العصر الذى نطلق عليه عصر الإعلام، خاصة كرة القدم التى تعد اللعبة الشعبية الأولى وتجذب إليها عشاقها بالملايين فى كل أنحاء العالم! وعلى صعيد الفرق القومية -لا سيما كرة القدم- يقوم بعض السياسيين بتشجيع هذه الفرق، لأنها تمثل بلادهم، ومكانتها الدولية، وتحقيق الانتصارات فى المسابقات القارية أو الدولية يعكس وضع الرياضة ومكانتها فى هذه البلدان! وربما كان تدخل السياسة فى الرياضة تحديدًا سبب لها إفسادًا كبيرًا شأنها فى ذلك شأن تدخل السياسة فى أى مجال من مجالات المجتمع، حيث سرعان ما تفسدها تمامًا بسبب أن السياسة بمعناها المتعمق تعتبر «عملًا غير أخلاقى»، وربما أحيانًا عمل غير إنسانى وغير قانونى أيضًا.
والسياسة تعنى اللامنطق واللا معقول فى الغالب ولكنه فى احيان كثيرة تطلب عندما يكون الهدف المبتغى ضرورة قومية، وهنا يدرك الجميع بأنه لا مفر من السياسة وربما يسير الفرد على المبدأ الميكيافيلى الشهير بأن الغاية تبرر الوسيلة، وهذا ما نراه فى تدخلات السياسة فى الرياضة مؤخرًا عندما قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلى إقامة مباراة كرة قدم بين إسرائيل والأرجنتين، وكان محددًا إقامتها فى التاسع من يونيو الحالى فى القدس بدلًا من تل أبيب لا سيما بعد افتتاح مقر السفارة الأمريكية فى القدس بعد نقلها من تل أبيب، وهو نوع من الاستفزاز الواضح لفلسطين وللدول العربية والإسلامية وربما لدول العالم الأوروبى بسبب اعتراضهم على إقرار القدس عاصمة للكيان الصهيونى البغيض..حيث استغلت إسرائيل الرياضة فى السياسة، وجعلت منها أداة قوية لتأكيد الضم غير القانونى للقدس وتضليل الرأى العام العالمى، وفى الأرجنتين بصفة خاصة من خلال ترويج المدينة باعتبارها القدس الموحدة للشعب اليهودي! وفى أعقاب الاحتجاجات الرسمية من قبل الجانب الفلسطينى ممثلًا فى رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة فى فلسطين جبريل الرجوب إلى الاتحاد الدولى والأوروبى وأمين جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط وأمين عام منظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الأرجنتينى والقارى الأمريكى واللذان تنضوى تحتهما إسرائيل والاتحاد العربى لكرة القدم، قررت الأرجنتين إلغاء المباراة.
وربما هذا ما حدث فى واقعة اللاعب المصرى محمد صلاح خلال مباراة نهائى أبطال أوروبا عندما تمت إصابته بشكل متعمد من لاعب ريال مدريد «راموس» فى الدقائق الأولى للمباراة وإجباره على الخروج من الملعب مصابًا إصابة خطيرة فى كتفيه وحتى لا ينعم مصرى بأن يكون أفضل لاعب فى العالم بعد أن حصد جوائز متعددة من قبل كأفضل لاعب فى الدورى الإنجليزى، وهو الدورى الأفضل عالميًا وجائزة الحذاء الذهبى وأحسن لاعب أفريقيا وجوائز عالمية أخرى، الأمر الذى جعل هناك ضرورة لوقف انطلاق ونجاح هذا النجم المصرى من وجهة نظر من لا يريد للدول العربية والإسلامية أن تنهض حتى لو كان التقدم فى الرياضة وأن تظل المقدمة والتفوق لهم فقط، ونحن نظل قابعين فى أدنى السلم فى المدرجات نجلس على مقاعد المتفرجين!
لذا فالتدخل المتعمد للسياسة فى الرياضة أفسدها تمامًا كما أفسدت السياسة من قبل الدين عندما تدخلت فيه، وكانت النتيجة أنها أفرخت لنا جماعات إرهابية وتتحدث معنا باسم الدين والدين منها براء!