المشهد الحضارى لأداء الرئيس عبدالفتاح السيسى اليمين الدستوري أمام مجلس النواب حمل تفاصيل مهمة رغم بساطتها، بعيدًا عن الرسائل السياسية الواضحة وملامح البرنامج الرئاسى للمرحلة القادمة. إشارات تتضمن أكثر من مغزى فى إطار المراسم والمرجعية الدستورية. تعبير «تُجار الحرية» الذى يرد لأول مرة فى خطاب رسمى يدل على ارتباط الرئيس بالرأى العام الذى ضاق ذرعًا من ترصد وسائل إعلام ومؤسسات لا ترى سوى جسد مصر لغرس أنياب التزوير والتلفيق.. تجردت من كل أوراق التوت التى سترت ماضيها كالمهنية والحياد أمام بريق التمويلات المعروفة المصدر، فاستحقت عن جدارة صفة تاجر لا يملك ما يعرضه سوى بضاعة فاسدة. دلالة التعبير تحمل أيضًا رسالة إلى أطراف رسمية من قوى مازالت تعيش عصور التدخل والعبث بمصائر الدول حتى بعدما أغرقت معظمها فى مستنقع الفشل نتيجة جهل تلك القوى بواقع وطبيعة المنطقة.
كلمة «مصالحة»، التى كثُر التلاعب على معانيها، لم تكن تستدعى إثارة علامات الاستفهام مع وضوح ودقة هدفها فى الخطاب. «أبواق» النشاز المتاجِرة بنغمة «الدكتاتورية» عجزت عن سماع هذه الدعوة من الرئيس نحو الانفتاح السياسى عبر خلق تعددية حزبية حقيقية تستمد قوتها من القدرة على المشاركة فى القرار وليس مجرد التواجد الشكلى بأسمائها. الإدارة السياسية لا يغيب عنها أن النجاح الذى تحقق فى ملفات الأمن والتنمية والإصلاح الاقتصادي - وفق شهادات أكبر المرجعيات الاقتصادية - تكتمل قواعده بمنظومة استقرار سياسى يكفله وجود أحزاب معارضة محدودة العدد مع امتلاكها قاعدة شعبية وبرلمانية مؤثرة. البديهى أن الانفتاح السياسى لا يتحقق بقرار رئاسى بقدر ما يشترط اقتحام الأحزاب العمل السياسى وقدرتها على استقطاب كوادر قادرة على التواصل مع الشارع.
فى الإشارة الأخرى، بدا واضحًا ابتعاد بعض الحضور من النواب عن فهم طبيعة الرئيس السيسى التى تُظهِر تقبله بسعادة المقاطعات التى تحمل إشادة بمصر الوطن فقط دون ربط هذه العبارات بشخصه. جزء الحقائق المعلن والكثير مما سيكشف عنه التاريخ يؤكد أن المخاطر التى أحاطت بلحظات وجود الرئيس السيسى على رأس فريق إنقاذ الوطن من «عصابة البنا» لم تكن تحتمل أى نوازع سلطة أو مجد شخصي. لمست جانبًا من هذه الطبيعة خلال زيارتى إلى بغداد فى مكتب شركة مصر للطيران والاستغراب من عدم وجود صورة رسمية لرئيس مصر.. أكدوا لى أن التعليمات وردت تحديدا الالتزام بوضع العلم المصرى فقط دون أى صور.
تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة د.مصطفى مدبولى يعكس معيار منطقى من جانب الرئيس السيسى فى إطار التركيز على محورى التعليم والصحة ضمن أولويات الرئيس خلال المرحلة المقبلة فى خطابه أمام مجلس النواب.. إلا أن التحدى الأهم أمام الحكومة المقبلة إحداث توازن مطلوب بين خطوات الإصلاح الاقتصادى ومتطلبات معيشة المواطن.