رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإنسان خالق أفعاله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتل مشكلة «الحرية الإنسانية» أهمية خاصة فى فكر المعتزلة، إذ تفرع عنها تصورهم للعدل الإلهى. فكيف يُكلَّف الإنسان ويُسأَل ويُحَاسب إن كان مجبرًا؟ إن هذا يتنافى مع عدله تعالى، كذلك تمسك المعتزلة بمسألة الحرية حتى لا يُنْسَب الشر الأخلاقى – الناتج عن معصية الإنسان – إلى الله. وقد بلغ من حرص المعتزلة على تأكيد حرية الإرادة عند الإنسان (وتأكيد أن هذه الحرية هى التى تقرر مبدأ العدل) حتى أنهم قالوا، حسب تعبير «بشر بن المعتمر» المتوفى عام 210 – 825 م: «إن الله تعالى لا يكون مواليًا للمطيع فى حال وجود طاعته، ولا معاديًا للكافر فى حال وجود كفره، وإنما يوالى المطيع فى الحالة الثانية من وجود طاعته، ويعادى الكافر فى الحالة الثانية من وجود كفره، واستدل على ذلك بأن قال: لو جاز أن يوالى المطيع فى حال طاعته وجاز أن يعادى الكافر فى حال وجود كفره لجاز أن يثيب المطيع حال طاعته، ويعاقب الكافر فى حال كفره».
قصد المعتزلة بذلك – أو «بشر» – أن إرادة الله لا تتدخل فى فعل الطاعة من المطيع ولا فى فعل الكفر من الكافر، عند حدوث هذا الفعل أو ذاك، وإنما يحكم الله للمطيع بعد حدوث فعل الطاعة، ويحكم على الكافر بعد حدوث فعل الكفر؛ أى أن فعل الإنسان سواء أكان خيرًا أم شرًا، لا يحدث إلا باختيار الإنسان نفسه بحرية وإرادة، أما الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، فليس هما سوى حكم من الله.
وفى هذا الصدد، حكى «القاضى عبدالجبار» أن المعتزلة – وهم أهل العدل – قد أجمعوا على القول بحرية الإرادة عند الإنسان وقدرته على اختيار أفعاله التى يصح وصفها بأنها خير أو شر، وهى التى تأخذ صفة التكليف بالأمر والنهى، فأفعال العباد – كما يقول – «من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة عن جهتهم، وأن الله عز وجل أقدرهم على ذلك ولا فاعل ولا محدث سواهم، وأن من قال بأن الله سبحانه خالقها ومحدثها فقد عظم خطؤه».
إذن، يعد تقرير حرية الإرادة عند الإنسان من أهم ما عرف عن المعتزلة، وقد بنوا موقفهم من هذه القضية على أمرين: الأول، تفنيد مذهب القائلين بالجبر سواء منهم من قال بالجبر المطلق (أو الخالص) أو من توسط فقال بالكسب. الأمر الثانى، إثبات أن الإنسان حر فى أفعاله، وأنه قادر على الفعل والترك بما وهبه الله من قدرة لفعل الضدين، لكن، إذا كان الأساس الذى قام عليه مفهوم «العدل» المعتزلى، هو إثبات قدرة الإنسان على اختيار أفعاله، فقد حاول المعتزلة أن يوطدوا هذا الأساس بقوة البرهان، وأن يستمدوا هذه القوة من النظر العقلى، ونتعرض فى المقالة التالية لهذه البراهين.