قدم الكاتب الراحل جمال الغيطانى، روايته التاريخية الرائعة «الزينى بركات» التى استغل فيها الوجود التاريخى لشخصيات «الزينى بركات، زكريا بن راضى» كشخوص حقيقية شاركت فى التاريخ المصرى خلال حقبة المماليك، وقد استغل «الغيطانى» هذه التيمة التاريخية ونسج منها خيوط روايته التى تحولت إلى عمل درامى تليفزيونى ليستخدمها فى الإسقاط على الواقع المصرى فى تاريخها الحديث، خاصة فى فترة الستينيات من القرن الماضى، حسبما صرح الغيطانى من قبل.
الذى رأى أن نهايات فترة الستينيات وزيادة سطوة الشرطة والقمع البوليسى شبيهة بفترة وجود الزينى بركات، التى جاءت فى نهايات دولة المماليك وبداية اضمحلالها مع الصراعات التى كثرت بين المماليك، فى الوقت الذى بدأ فيه صعود نجم الدولة العثمانية وسيطرتها على مقاليد الحكم فى مصر عام ١٥١٧، وهو ما اعتبره أيضًا مؤلف الرواية نوعا من أنواع الربط بين نكسة يونيو ١٩٦٧ وبين معركة «مرج دابق» التى انتهت بانتصار العثمانيين على المماليك، خاصة أن فترة الثنائى «بركات، زكريا» اتسمت بازدياد سطوة العسس أو «البصاصين» والصراع الدائم بين قادة المماليك، ما أدى إلى هزيمتهم أمام العثمانيين.
وفى منتصف تسعينيات القرن الماضى، قرر «الغيطانى» تحويل روايته الشهيرة التى تحمل اسم «الزينى بركات» إلى عمل درامى مرئى من خلال مسلسل يحمل نفس اسم الرواية، تم تقديمه فى شهر رمضان عام ١٩٩٥، بالتعاون مع السيناريست محمد السيد عيد، كاتب السيناريو والحوار، والمخرج يحيى العلمى.
تناول المسلسل الدراما التاريخية التى وضعها الغيطانى فى روايته عن طريق شخصيتين تاريخيتين تنتميان إلى عصر المماليك وهما الشهاب الأعظم «زكريا بن راضى» ووالى الحسبة «الزينى بركات بن موسى»، اللذان عاشا فى عهد السلطان الغورى، والذى أنعم على «بركات» بلقب الزينى، ليتقلد منصب الحسبة الشريفة، وهو منصب خطير يجعل «الزينى» بمثابة عزيز مصر، أو الحاكم الفعلى للبلاد الذى يتحكم فى شئونها الاقتصادية والاجتماعية، وأيضًا الأمنية، فهو من يتولى مراقبة الأسواق وأسعار السلع وجمع الضرائب والمصروفات من الشعب، وتتبعه أجهزة الأمن والمخابرات «البصاصين» التى ترصد كل شاردة فى أرض مصر بقيادة «زكريا بن راضى»، لحماية نظام الحكم، حتى ولو وصل الأمر إلى هتك حرمات البيوت والعلاقات الخاصة بما فيها العلاقة الحميمية بين الزوجين.
استخدم صناع العمل تيمة التشويق والصراع الخفى فى أحداث المسلسل، الذى بدأت أحداثه بمحاولة بركات بن موسى للتحايل على أحد الأمراء ورشوته للحصول على منصب الحسبة الشرعية، بالرغم من مراوغته للسلطان الحاكم وتضرعه إليه لإعفائه من المنصب، حتى لا يتحمل أعباء أكبر منه ويكون مسئولًا عن إطعام كل فقير، وهو ما لا طاقة له بذلك، وهنا يبدأ الصراع الخفى بين الزينى بركات وزكريا بن موسى، الذى يعلم تمام العلم بسعى بركات للحصول على المنصب، كما يعلم بمدى سوء نوايا بركات بن موسى برغم محاولاته فى إظهار عكس ما يبطن، الا أن زكريا، مساعده وكبير البصاصين، الذى تفرض عليه مهام مهنته معرفة حقيقة الأفعال والنوايا لكل فرد فى المجتمع يعلم بحقيقة نوايا بركات.
وتستمر الاحداث على هذا المنوال فى محاولات زكريا للظهور بمظهر الحاكم العادل الذى يجرى تطويرات فى البلاد ويحكم بالعدل بين العباد، حتى استتبت له أمور الحكم فبدأ فى نشر الظلم والرعب بين المواطنين، وتعذيب الفلاحين والتنكيل بالأبرياء وانتزاع أموالهم، إلى جانب استخدام جهاز البصاصين «المخابرات» لقمع المخالفين، مثال الشاب الأزهرى «سعيد الجهينى» الذى فرق بينه وبين محبوبته «سماح»، وزوجها لأحد المماليك، كما قام بتجنيد زميله عمرو بن العدوى، لمراقبته هو وغيره من طلاب الأزهر وعلمائه، إلى جانب مراقبة العلاقات الحميمية التى تقع بين الأزواج أو الرجال والنساء بشكل عام.