الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ورحلت الأفوكاتو مديحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ودعنا منذ أيام قليلة فى هذه الأيام المباركة الفنانة الراقية مديحة يسرى التى لقبت بـ«سمراء النيل».. والتى اختيرت كواحدة من بين أجمل عشر نساء فى العالم خلال حقبة الأربعينيات من القرن الماضى، وقدمت خلال التسعة وسبعين عاما التى عاشتها مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية القيمة، ومثلت خلال عمرها قدوة لأجيال كثيرة برقيها واحترامها لنفسها وفنها.. وتعد رحلتها الفنية والإنسانية تأريخا لحقبة هامة فى تاريخ مصر..فهى من بين الفنانات اللاتى عانين كثيرا للالتحاق بالمجال الفنى فى ظل مجتمعات منغلقة وبيئة حريصة على وأد الفكر التحررى فى عقول البنات.
هذا الجيل الذى تربى بين عمالقة الفكر والأدب فى الصالونات الثقافية..لذلك كانت تنعكس شخصيتها المثقلة بالتجارب والأحداث حينما تتحدث، فتنقل إلينا الخبرة والحكمة، والقدرة على مواجهة الظروف.. لذلك كنت أستمتع بحواراتها التى تروى فيها الأحداث التى مرت بها، والتى تختلط فيها أحيانا الجوانب الإنسانية مع السياسية، فتعبر عن الفترات التى لم نعشها، وتعكس لنا قدرة الدولة فى ذلك الوقت على الاستفادة من الفن فى تحقيق أهداف الدولة وسياساتها، وكيف كان احترام الفنانين لأنفسهم ودقة اختياراتهم والذى انعكس على تقدير رجال الدولة لهم، فلم يكن هناك فيلم لها إلا ويحضره الوزراء الذين كانت تدعوهم، وقد روت فى إحدى حواراتها عن فيلم «إنى راحلة» الذى كتبه الكاتب الكبير يوسف السباعى، أن الشهيد السادات قد حضره فى السينما أثناء حكم الرئيس عبدالناصر، وعندما علم الرئيس عاتبه على حضور الفيلم بدونه، ثم ذهب الرئيس لمشاهدة الفيلم وسط الجمهور وهو يجلس فى بنوار، وعبرت عن مدى حفاوته وتقديره لهم.. كذلك كانت تنقل الطاقة الإيجابية فى حكاياتها، وتروى كيف اجتازت الكثير من الصعاب سواء فى حياتها الشخصية أو الفنية، وكيف واجهت الدنيا بقوة وصلابة، وكانت تضرب المثل بتعلمها الخياطة والتطريز حين ضاق عليها الحال، حتى تستطيع أن تصنع فساتينها بيديها لتظل تبهر الآخرين بأناقتها!!.
ورغم ما مر بها من أحداث موجعة من أهمها فقدها لابنها الوحيد عمرو الذى توفى فى حادث سيارة وهو فى قمة تألقه الرياضى وعز شبابه، إلا أن ابتسامتها الراضية كانت تعكس صبرها وإيمانها بما قدره الله.. ومن حسن الحظ أن أكاديمية الفنون قد منحتها الدكتوراه الفخرية فى ديسمبر الماضى تقديرا لعطائها الفنى المتميز، حيث انتقلت رئيسة أكاديمية الفنون الدكتورة أحلام يونس وعمداء المعاهد الفنية بالأكاديمية، ومجموعة من أعضاء هيئة التدريس والفنانين إلى المستشفى التى كانت تقيم فيها لتكريمها.. وقد ظهرت سمراء النيل فى الصور التى تداولتها الصحف، وهى ترتدى الزى الأكاديمى الخاص بمنح الدكتوراه.. ورغم ما رسمه المرض على ملامحها إلا أنها ظهرت فى صورة جميلة تتناسب مع الجمال والرقى الذى حرصت عليه طوال سنوات عمرها..إلا أنه قبل وفاتها بأيام قليلة زارتها وزيرة التضامن الاجتماعى فى المستشفى، بعد أن أصدر رئيس الوزراء قرارا بعلاجها على نفقة الدولة.. ورغم إيجابية الزيارة إلا أنه ساءنى الصورة التى ظهرت فيها الفنانة الكبيرة على سرير المرض، والتى أعتقد أنها لم تكن لترضى عنها لو شاهدتها، لذلك حزنت على عدم تقدير حالة الضعف الإنسانى التى قد تصيبنا فنفقد القدرة على السيطرة عما ينشر.. فيا ليتنا نستعيد القيم المفقودة، ونحترم خصوصية البشر وأبسط حقوقهم الإنسانية.