ثمة ظاهرة غريبة انتشرت فى الآونة الأخيرة، وعلى وجه الخصوص بين فئة الشباب، ورغم أن هذه الظاهرة قديمة قِدَم الإنسان، فإن حدَّتَها تزايدت فى هذه الأيام التى نعيشها، وتسارعت وتيرتها وتصاعدت، ربما كان ذلك من أجل طغيان الحياة المادية وانغماسنا فيها، وتنكرنا للخالق ونِعَمِه، لعلكم تدركون معى تلك الظاهرة التى عنها أتحدثُ، إنها ظاهرة الإلحاد.
وحينما نطالع كثيرًا من الصفحات الموجودة على «فيسبوك»، نجد أن أحدها يأتى تحت اسم «أنا ملحد»، وأخرى تحت اسم «ملحد وأفتخر»، وثالثة تحت عنوان: «ملحدون ضد الأديان»، وغيرها كثير من مئات الصفحات التى تبرر إنكار الخالق، ويظن أصحابها أن العلم قد أصبح بديلًا للدين، ويطرحون على الدوام تساؤلًا مؤداه: ماذا ترك العلم لإله السماء؟!
وقد فاتهم أن الدين لا يتناقض مع العلم ولا يعارضه، بل الدين هو الذى يدعو إلى العلم، وأن التدين الذى يخلو من التأمل والتدبر هو تدين مغشوش، والعلم يثبت كل يوم، بل يثبت فى اليوم ألف مرة، أن لا إله إلا الله.
والذى يبدو أن الإلحاد قد أصبح موضة العصر، فأصبح كثير من الشباب الذين تنتشر بينهم هذه الظاهرة يفتخرون بذلك، وربما كان البعض منهم يعلم فى قرارة نفسه أنه مخطئ، وأن الله موجود، يقول الكاتب الإنجليزى كولن ويلسون: «الساعة الثانية فجرًا أنهيت مقالة أنكرت فيها وجود الله، وحين ذهبت لأنام لم أستطع إطفاء النور خوفًا مما سيفعله الله بي».
ولعل من أهم التساؤلات التى يثيرها الملحدون: لماذا خلق الله الشر؟! ولماذا خلق المرض والفقر؟! ولماذا توجد الزلازل والبراكين والسيول؟! ألا يتعارض ذلك كله مع رحمة الله، فلو كان الله رحيمًا، لكانت الأرض بمثابة جنة خالية من الكوارث والآثام والشرور.
(١) وأقول لهم: دعونى أتساءل معكم: هل الشر هو الأصل أم الخير؟ بالطبع فإن الخير هو الأصل.. وما الشر إلا استثناء الغرض منه الاختبار والوصول إلى العدالة المطلقة.. فالأصل فى الإنسان الصحة وليس المرض، والأصل هو العدل وليس الظلم، والأصل فى الأرض هو استقرارها، وليس الزلازل والبراكين.
(٢) الشر ليس شرًّا من كل الوجوه، وإنما شر من وجه وخير من آخر.. إن ما يظهر للإنسان من النقائص والشرور قد تكون فى الصورة الكبرى خيرات وكمالات، والإنسان لا يحيط بنتائج أفعاله والأحداث المؤثرة عليه؛ فالفقر بحسب الظاهر شر للإنسان، ولكنه فى حقيقته قد يكون خيرًا كثيرًا؛ من حيث قدرته على تحريك صاحبه نحو العمل والإبداع، والمرض يدفع الإنسان إلى اكتشاف ما يضره وما ينفعه من موارد الطبيعة، والموت هو فى حقيقته انتقال من عالم إلى عالم آخر، ومن مرحلة إلى أخرى، وكأنه ولادة ثانية، كما ينتقل الجنين من بطن الأم إلى عالم الدنيا.
(٣) الخير والشر يكمل بعضهما البعض، إن نقص الكون هو عين كماله، واعوجاج القوس هو عين صلاحيته، ولو أنه استقام لما رمى.. فبالمرض تُعرف الصحة.. وبالقبح يُعرف الجمال.. فالحسن يظهر حسنه الضد.. وبضدها تتميز الأشياء.
(٤) لم يأمر الله بالشر، ولكنه أوجده لحكمة.. والحكمة هنا هى الحرية.. فيكون أمام الإنسان الخير والشر، وللإنسان حرية الاختيار بينهما.
(٥) ثم دعونى أتساءل: ما البديل من وجهة نظركم؟ هل الحياة بلا موت وبلا مرض وبلا خوف، حياة بلا نقص؟ فهذا كمال.. وحياة النعيم الكامل موجودة، ولكنها فى الحياة الآخرة.. فالإنسان له حياتان، الحياة الدنيا، وهى حياة الاختبار والابتلاء.. والحياة الآخرة، وهى حياة الجزاء، حياة الثواب والعقاب، وهذا هو عين العدل.
إن الملحد كالشخص الذى لا يقرأ من الرواية إلا فصلًا واحدًا، أو كالشخص الذى لم يشاهد من الفيلم إلا مشهدًا واحدًا، يشاهد فيه أحد الأشخاص يُضرب ويهان، فيثور ويغضب دون معرفة بالأحداث السابقة أو اللاحقة على هذا المشهد.
كلنا نريد أن تصبح الأرض جنة، ولكن ماذا قدمنا لنستحق هذه الجنة؟!