سباق محموم فى جل بلاد العرب يرتفع مارثونه مع حلول رمضان المبارك، إنها الشاشة الفضية يُسابقون عرضًا وطلبًا، إعلانا تسويقيًا وحسبة إيرادات، نجوم وشركات إنتاج لمسلسلات، وبرامج كوميديا، وأغانٍ وابتهالات، مسابقات، وسهرات مسجلة ومباشرة بالمناسبة، هذه العجلة، وتلك الحسابات التسويقية المتكررة دواليك رمضان هل يُنظر فى هدف ما تُقدمه؟ هل يجرى كل ذلك وفق احتياج موضوعى يُبنى على ما يرصد عثرات معيشتنا، وتعرية مجتمعنا وتناقضاته، وهل فيها ما يستحق كل تلك الجهود والتنافس، وعلى ذلك لماذا الثلاثون يومًا فقط من عامنا؟.
أن نحتفى بالشهر وبجلسة العائلة الحميمة ذلك ما يميز هذا الشهر، لكن استثمار هذه الجلسة بما يلتقون عنده فرجة بصرية بريموت الصندوق السحرى على مدار يوميات الشهر لا يحتاج فقط أن نقدم مادة ممتعة مسلية تخفف عناء الصيام وجهد العمل بل أيضا مادة تذهب باتجاه أن نقارب واقعنا المليء بالمشكلات ونلامس موضع الداء فيه، أو أن نفيدهم بمعلومات تقوى معارفهم الفقيرة والتى يبخسونها بالالتفات لقراءة كتاب ما مع وقت فراغهم الذى يضيع رمضانيا نومًا أو ثرثرة غير مجدية!، ما يدعوهم إلى حث ذاكرتهم وإقامة علاقة بما يحيط بهم من بشر وحجر، فبعضهم من شباب اليوم يعجز عن الإجابة عن معلومة عن مدينة ببلدة أو عن كتابها ومناضليها وفاعليها وصانعى نهضتها، فما نراه مبرمجًا فى علاقة بالملتقى سيلًا من الجوائز عينية ونقدية التى تدفع بها شركات المنتجات من كل صنف ولون، وجهد مذيع برنامج فى تقريب الإجابة أو لعله (تغشيش)، نتاجه مشهد معيب إذ يفضح الجهل مقابل مجانية المنح!.
يبذل الفنانون النجوم الذين ينتظرهم معجبوهم، وكل الكادر الفنى والشركات المنتجة جهدهم لا مفر من الإقرار بذلك، لكن للفن ومنتجيه دورهم أن يضعوا نصب أعينهم احتياج ومتطلبات الجمهور فى مرحلتنا ومتغيرنا هذا فما يقدمونه له من وجبات تلتهم وقتهم كما مركز بصرهم مسلطة بهذا الشهر يغلب عليها الاستسهال مع غياب الهدف وضعف المضمون، مع افتقادنا صوت القراءة الواعية والنقد عقب كل ما يقدمونه مما يعزز حالة السير على المنوال.
وسنُذكر بغياب المسلسل الدينى مؤخرًا من خارطة رمضان العربية عمومًا لحساب برامج الدُعاة ودروسهم، وهى دراما عادة ما تختار شخصية أو حدثًا من موروثنا الإسلامى تذكيرًا بأهميته، وكان بعض كتابنا العرب يُعيد قراءة حدث ما عاملا جهده فى النبش والحفر بما غمض عن أعيننا أو فى استعادة لتاريخ يعيد نفسه فى يومنا هذا.
أيضًا هذه التجارة الرمضانية الساحرة تنسى أطفالنا بل تضمهم إلى فرجة مفروضة قد لا تليق حتى بسنهم ومداركهم، بعضهم وقد أنهى عامه الدراسى يمضى وقته بالشارع مع رفاقه وذلك ما لا يُتابع ولا يُعرف الى أين يمضى بهم وقتهم وتفكيرهم!، أو من صادفه حظ فرعاية أبوية تلقى بظلالها برفقة إلى الجامع أو زيارة الأهل والأصحاب، أطفالنا مهمشون مهملون دون هذا الشهر فما بالك بطقس هذا الشهر الذى ينشغل فيه أغلب الآباء والأمهات بصيامهم وإفطارهم فهل تدرجهم الحكومات ووزارات التعليم والثقافة والرياضة ومنظمات المجتمع المدنى ضمن خططهم وبرامجهم الصيفية؟.