يرفع الثعبان الأمريكى رأسه متلفتًا شرقًا وغربًا باحثًا عن ضحية يلتهمها ليكبح بها شراهته المفرطة للدم والتخريب، لا أكتب هنا عن القدس وقرار نقل السفارة الأمريكية إليها واختفاء ملف القدس تمامًا عن موائد التفاوض، فالقدس والقضية الفلسطينة والحروب بالأصالة والوكالة ملفات ستظل مفتوحة طالما واصلت واشنطن نهجها العدوانى تجاه البشرية جمعاء.
لا أكتب هنا عن القدس ولكننى أكتب عن التدخل الأمريكى السافر فى عدد من الملفات المصرية، التدخل السافر والمتبجح والذى يحمل بالكذب عناوين مخادعة كحقوق الإنسان وحرية الرأى وحقوق الأقليات، تلك العناوين التى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لا بد من مناقشتها بوضوح وبجسارة ومكاشفة مع كل الأطراف، ليعلن كل طرف فى نهاية الأمر موقفه من الكاوبوى الأمريكى قاتل الهنود الحمر وصاحب أكبر تجارة للحروب والدم على الكرة الأرضية.
عندما حاول الأمريكى اللعب بملف الأقباط بمصر وتزايد حديثهم عن ذلك وكأنهم أوصياء علينا مسلمين ومسيحيين، جاءت التصريحات من الكنيسة المصرية حاسمة وواضحة، وهى رفض التدخل الأمريكى فى قضايانا الداخلية.
ضربت المثل بالكنيسة والأقباط وموقفهم المشرف تجاه الوصايا الأمريكية لكى أصل إلى مقارنة فى موضوعات أخرى مثل حواديت النوبة وسيناء ونشاط التمويل الحقوقى، فى كل عنوان من تلك العناوين حاولت أمريكا مد رقبتها كثعبان إلى الداخل المصرى، وأتذكر منذ أكثر من خمسة عشر عامًا ومع أول مصطلح صكه تقرير للكونجرس الأمريكى حول سيناء بقوله «مسألة سيناء» محاولًا انتزاعها نظريًا من مصريتها، كنا فى حزب التجمع على موعد لاجتماع اللجنة المركزية، وكعادة الحزب فى المواقف الفاصلة حيث توقف طويلًا فى مناقشاته حول ذلك الأمر وكتب فى بيانه الختامى رفضه القاطع لتلك المراوغة الأمريكية، وكانت تلك المناقشات وذلك البيان كجرس إنذار لمتخذ القرار المصرى لكى ينتبه.
دارت الدنيا وتوغل ما يسمونه بالنشاط الحقوقى بمصر والذى دمر بالفعل عشرات الكوادر التى كان من الممكن أن يكون لها بصمة فى تاريخ هذا الوطن، ولكنهم استسلموا للتمويل ولأوامر الخواجه وتعليماته وأجندته، فتحددت بوصلتهم نحو أرصدتهم فى البنوك من بعد جوع شريف عاشوا فى ظله سنوات، صاروا اليوم من سكان الكومباوندات، ومنذ أيام قرأنا أن مسئولًا أمريكيًا يتصل بالقاهرة للتدخل فى موضوع القبض على واحد سمى نفسه ناشطًا سياسيًا، ليست هذه المرة الأولى فى التدخل، ولكن فى واقعة سابقة عندما تم استدعاء واحد من المتمولين للتحقيق بعد ساعة واحدة من استدعائه استمعنا إلى تضامن من بان كى مون الذى كان أمينًا عامًا للأمم المتحدة.
السؤال الآن بوضوح: هل يستطع هؤلاء الذين أسميهم المتحوققين أن يجتمعوا «بربطة المعلم» ليصدروا بيانًا واضحًا وشجاعًا يرفضون من خلاله التدخل الأمريكى فى الشأن المصرى، الإجابة: لن يفعلوا.. فالكنيسة المصرية التى رفضت التدخل الأمريكى فى شئونها صاحبة قضية واضحة وشريفة، أما تجار التمويل فهم قصة أخرى طويلة ومريرة.