(5) المجلس الملي بين الماضي والمستقبل:
تعرض المجلس الملي في عهد عبد الناصر لهزات عنيفة قوضت مهامه بشكل متدرج شمل:
ـ إلغاء المحاكم الشرعية والملية: كان للمجلس الحق في النظر في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية ـ الطلاق والنفقة والحضانة والوقف وغيرها ـ حتى صدور القانون 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية، وأحيلت كل اختصاصاتها إلى المحاكم المدنية.
ـ قانون الإصلاح الزراعي: بصدور قانون الإصلاح الزراعي والتي حجمت ملكية الأراضي الزراعية تقلصت أملاك الكنيسة منها، وتولي هيئة الأوقاف القبطية مهام الإشراف على أملاك الكنيسة خلق نوعا من الازدواجية بين الإشراف والإدارة.
ـ المدارس القبطية: في إطار السيطرة على منظومة التعليم عمدت حكومة الثورة إلى مصادرة أو تأميم المدارس المدنية القبطية وإلحاقها بوزارة التربية والتعليم فخرجت من نطاق ولاية المجلس الملي.
ـ المستشفيات القبطية: في ظل نفس السياسة تم الاستيلاء على المستشفيات القبطية ووضعها تحت سيطرة وزارة الصحة ولم يعد للمجلس أي علاقة له بها.
وعلى أرض الواقع نكتشف تحول المجلس إلى مجلس وجهاء وانفصاله عن هموم الشارع القبطى، مثل:
ـ مشاكل العديد من الأديرة والرهبان في القبول والخروج وتنظيم خدمتهم، والتي أنتجت العديد من المشاكل والمواقف والتي تسرب بعضها إلى الإعلام وارتج معها الشارع القبطي وربما المصري أيضا، وكاد بعضها أن يشعل فتيل الفتنة الطائفية بعنف، قبل أن يلتفت البابا تواضروس لملف الرهبنة والأديرة ويعيد ترتيب أروقتها وأوراقها.
ـ مشاكل المحاكمات الكنسية التي كانت تسير على غير هدى سوى المشيئة المنفردة لمن توكل إليه، وقد عصفت برموز عديدة وكادت تعصف معها باستقرار الكنيسة.
ـ قضايا التنمية البشرية والاقتصادية بالتعاون مع رجال الأعمال لوضع خطط وبرامج لمكافحة البطالة والغائبة عن اجندة المجلس.
ـ عدم التخل الإيجابي فى تفكيك المصادمات مع رموز وقامات كنسية (الراحل الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي والراحل الأب متى المسكين شيخ آباء الكنيسة، وقبلهما الراحل الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الإجتماعية وشهيد المنصة ورائد ومؤسس كنائس المهجر، والراحل الأنبا بيمن اسقف ملوي، والدكتور جورج حبيب بباوي العالم اللاهوتي.).
ثم كيف يسمى مجلسا عاما بينما انتخاباته تجرى في العاصمة القاهرة ومن القاهريين فقط، مرشحين وناخبين، والمجمع الانتخابى له لا يتجاوز بضع مئات من الأقباط ويتم تغيير المجمع الانتخابي بإعلان من وزارة الداخلية مع كل انتخاب، بطلبات قيد جديدة وإجراءات جديدة، كفيلة بتعميق العزوف عن المشاركة أكثر مما هو سائد. وهو بهذا لم يصل إلى نظام جمعية لأهالي حي عشوائي على أطراف القاهرة، أين تمثيل بقية المحافظات حتى يحق له أن يصبح مجلساً عاماً ؟!! .
وتشهد الكنيسة تحركاً بابويا في معالجة هذا الخلل، والذي بدأ بتشكيل مجالس الكنائس المحلية بالانتخاب ومنه ينتخب مجلس الإيبارشية، ومن مجالس الإيبارشيات ينتخب المجلس العام، فيما اتصور.
ونأمل أن يضم المجلس نسبة محددة بالتعيين لتخصصات فنية وكوادر إدارية للتعامل مع الواقع الجديد، عبر قواعد قانونية محددة وواضحة وصولاً لأكبر قدر من الشفافية وتحقيقاً لأفضل استثمار اقتصادي اجتماعي روحي، مع تزايد الموارد الكنسية سواء من كنائس الداخل أو كنائس المهجر، ومع تشعب المجالات الخدمية الثقافية والاقتصادية والروحية التي تقع في دائرة اهتمام الكنيسة.
ومع تزايد ضغوط الحياة وأزمة الأجيال الجديدة خاصة في بدايات تكوين الأسرة فإن من المهام الواجبة على المجلس إنشاء آلية لحل المشاكل الأسرية قبل تفاقمها على غرار محاكم الأسرة، وقبلها وضع منظومة تدريبية لمرحلة ما قبل الزواج بشكل واقعي يجمع بين الضوابط المسيحية الإنسانية وبين احتياجات العصر، بالتنسيق والتكامل مع الإكليروس.
وقد نكون بحاجة إلى ترتيب جلسات عمل موسعة، برعاية البابا والمجمع المقدس، تضم كل المهمومين بالشأن الكنسي والمتخصصين في علوم الإدارة، وهناك أكثر من تصور مطروح الأن لعل أهمهما ما طرحه الأب باسيليوس المقاري، من رهبان دير أبو مقار في كتاب هام وموثق (التدبير الإلهي في بنيان الكنيسة ـ نحو دستور دائم للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ـ 2001) وما طرحه الأنبا بفنوتيوس، أسقف سمالوط (لائحة المجلس الإستشارى الأعلى للكنيسة القبطية)، فضلاً عن ما طرحه التيار العلماني القبطي من رؤية وتصور في هذا الشأن وطرحه في مؤتمره الأول عام 2006.
وقد قمنا بوضع كل هذه الأوراق بين يدي القيادة الكنسية الجديدة فور الإعلان عن اختيار قداسة البابا الأنبا تواضروس، وحظيت باهتمامه.
وفى لقاء الأسبوع القادم نتعرض لتجربة قبطية مدنية (علمانية) تعرضت للتشويه من جهات عدة، وهى تجربة "جماعة الأمة القبطية"، كيف بدأت وتكونت، وماذا قدمت وبم طالبت، وكيف حوصرت، هل كانت حلماً تبدد أم كانت كابوساً وانقشع؟!.