تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الاستغراب دائما يأتى من التناقض بين الحماس الحكومى المفاجئ لإنشاء القنوات المحلية وبين الإهمال، ثم الإعلان عن البيع لتلك القنوات بدلًا من تطويرها!! وبين الحماس والإهمال لا يوجد أى تقييم موضوعى للاستفادة والتطوير، ويصبح الأمر محل اندهاش لانعدام الرؤية السياسية فى التعامل مع القنوات المحلية.
والمتابع لمسيرة إنشاء القنوات المحلية فى بلادنا، يدرك مدى أهمية تلك القنوات التليفزيونية المحلية باعتبارها نقلة حضارية ونوعية نحو إعلام جماهيرى يهتم بأبناء تلك الأقاليم بطول البلاد وعرضها بالمحافظات.
ولهذا قامت الحكومة بحماس وهمة بإنشاء 6 قنوات محلية بعد «الأولى والثانية» حيث بدأت بالقناة «الثالثة» من أجل خدمة أبناء محافظات «القاهرة - الجيزة - القليوبية» عام 1986، ثم القناة الرابعة «القنال» عام 1988 لخدمة أبناء «السويس - الإسماعيلية - بورسعيد - سيناء - الشرقية».
وشهد عام 1990 تشغيل قناة «شمال الدلتا»، لخدمة أهالى «الإسكندرية - البحيرة - مرسى مطروح»، وكذلك قناة «وسط الدلتا»، لخدمة أهالى «المنوفية - الغربية - الدقهلية»، ثم الانطلاق لإنشاء قناة «شمال الصعيد» لخدمة أهالى «بنى سويف - المنيا - أسيوط - سوهاج - الفيوم» ثم قناة جنوب الصعيد «طيبة» لخدمة «قنا - أسوان - البحر الأحمر».
وكانت الأهداف المعلنة لهذه القنوات المحلية هى الربط الإعلامى وتقديم الخدمات الإعلامية والثقافية لأبناء هذه الأقاليم، والمحافظة على التراث الفنى والحضارى والإنسانى والحرف التراثية وتاريخ وعادات تلك الأقاليم وأخبارها بالتنمية المحلية للمشاركة الإيجابية فيما يسمى بالإعلام التنموى.
والأهم هو التعبير عن هموم ومشاكل وطموحات تلك الجماهير من أجل تحقيق اللا مركزية وتطبيق قواعد الديمقراطية المحلية، وتوفير الخدمات الثقافية والتعليمية.
ولا أحد يختلف على ذلك النهج الرشيد، وللأسف فإن الواقع من خلال ما يزيد على ربع قرن من الزمان على إنشاء تلك القنوات فقد ظهر وكشف عن حجم المشاكل والتحديات التى واجهت تلك القنوات المحلية.. وكلها تراجع بسبب الإهمال وعدم المتابعة وانعدام التقييم وغياب السياسات الواضحة، والأسس والمعايير الصحيحة ولعل أبرز تلك التحديات هو:
• السيطرة والمركزية الشديدة فى وضع السياسات والقرارات والأوامر الإعلامية والفنية والإدارية فى إدارة القنوات المحلية.
• الإهمال المالى حيث انخفاض المخصصات المالية للقنوات المحلية مما جعلها الأضعف نحو التطوير أو إنتاج الفن دراميًا أو للأعمال الصغيرة التليفزيونية.
• انخفاض المرتبات والأجور المتغيرة للعاملين وتأخير صرفها.
• عدم الاهتمام بالتدريب المستمر ورفع قدرات هؤلاء الإعلاميين والفنيين والعمال بتلك القنوات بشكل راق.
• عدم الاهتمام بمشاركة المجتمع المحلى بالرأى فى وضع الخرائط الخاصة بالبرامج والموضوعات المذاعة.
• سيطرة التقاليد غير الديمقراطية عن مناقشة خطط البرامج الجديدة، الأمر الذى جعل من التكرار والتشابه بين الكثير من البرامج حتى أصبحت القنوات المحلية أسيرة للقنوات العامة والخاصة فى التقليد بعيدًا عن خصوصية الأقاليم.
• عدم الاهتمام بالأحداث الجارية أو إذاعة برامج مواجهية.
• تحول بعض القنوات إن لم يكن معظمها إلى بوق ودعاية مجانية لبعض المحافظين والمسئولين من أجل الإعلان عن إنجازات وهمية ولتجميل مواقفهم أمام القيادات السياسية.
• قبول وتقديم ضيوف دون المستوى العلمى أو المعرفى أو حتى التخصص للإفتاء فى برامج الـ«توك شو» دون تحديد لأى أوزان موضوعية للضيوف.
• غياب الرؤية لتمكين القنوات المحلية بالأجهزة منها «الكاميرات الحديثة أو الأجهزة السمعية والبصرية الجديدة مع غياب أجهزة التقنيات الحديثة».
• إهمال الاستوديوهات من معدات وديكور وأثاث يليق بتقديم برامج فى ظل منافسات كبيرة بين القنوات العامة والخاصة والفضائية... وقد امتد الإهمال إلى الكافتيريات والاستراحات وحتى دورات المياه.
• التخبط المتعدد بين بث القنوات من المحطات الأرضية وأخرى بين المحطات الفضائية، مما قلل نسب المشاهدة، بالإضافة إلى حد التشويه والحديث عن الوزن الزائد للمذيعات والملابس غير الملائمة للإعلاميين للنيل من تلك القنوات.
وأمام تلك التحديات يظهر الحديث عن بيع تلك القنوات أو الاستغناء عنها، وقد ظهر ذلك من تصريحات بعض المسئولين والوزراء، حيث يتم خلط الأوراق فى الحديث حول خسائر ماسبيرو المالية، وللأسف امتدت تصريحات البيع والإلغاء إلى مسئولى الهيئة الوطنية للإعلام وحتى مناقشات لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب.
ونسى الجميع أن القنوات المحلية استطاعت رغم كل تلك المشاكل والتحديات أن تصمد وأصبح لديها نقاط قوة منها.
• خبرات عالية من إعلاميين وإعلاميات وفنيين على مستوى عال من التمايز بسبب تراكم خبرات السنوات.
• مبانى وأجهزة واستوديوهات.
• أرشيف خطير متنوع من الأفلام والتسجيلات النادرة عن المشاهير والرموز الفنية والأدبية والإبداعية من أبناء الأقاليم.
• خبرات عالية وتجارب هامة لا يمكن الاستهانة بها.
ويعد التطوير الحقيقى لتلك القنوات ببدء دراسة موضوعية وتقييم أمين وعلمى حول عناصر القوة والضعف من أجل التطوير، وذلك بمشاركة الخبراء الوطنية وأعضاء هيئات تدريس كليات الإعلام ومن المسئولين عن تلك القنوات ومن لهم من خبرات فى إدارتها مع مشاركة المجتمعات المحلية.
يضاف إلى ذلك لا بد من عرض الأمر والاهتمام به من قبل الحكومة ومجلس النواب من خلال لجان الثقافة والإعلام والتنمية المحلية والشئون الدستورية.
وغنى عن البيان تأكيد الدستور المصرى والتشريعات فى حق المواطن بأن يتلقى الخدمات الثقافية وكلفتها بالمجان مع مراعاة الأقاليم الجغرافية وحق المعرفة والإعلام بشكل يساهم فى التنمية.
وبعد فإن الأمر مطروح من أجل تطوير هذه القنوات المحلية لأهميتها وليس للبيع حتى نحقق التنمية الحقيقية واللامركزية فى بلادنا وما نتمناه من تطوير وبناء ديمقراطى واجتماعى.