شهد لبنان أمس الأحد، يوماً انتخابياً طويلاً لاختيار برلمان جديد،
لأول مرة منذ نحو عقد، وسط إقبال لم يلب طموحات الأحزاب السياسية التي سارعت إلى
شد عصب قواعدها في الساعات الأخيرة، في استحقاق من شأنه أن يكرس التوافق الهش بين
القوى التقليدية.
وأقفلت مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة السابعة مساء، بعد 12 ساعة
من فتحها أمام الناخبين، وسط توقعات بنسبة مشاركة متدنية بعكس ما كان مرتقباً في
بلد لم يشهد انتخابات نيابية منذ 2009.
ويتوقع محللون أن يكون حزب الله "المستفيد الأكبر" من
نتائج الانتخابات التي تجري وفق قانون جديد يقوم على النظام النسبي، ما دفع غالبية
القوى السياسية الى نسج تحالفات خاصة بكل دائرة انتخابية بهدف تحقيق مكاسب أكبر.
ومنذ فتح صناديق الاقتراع عند السابعة صباحاً وحتى الساعة السادسة
مساء، بلغت نسبة الاقتراع، وفق وزارة الداخلية، 46,88.%
وبلغت نسبة الاقتراع في آخر انتخابات العام 2009 نحو 54 .%
وأعلنت وزارة الداخلية استمرار عمل مراكز الاقتراع التي كان فيها
ناخبون عند الساعة السابعة مساء، فيما بدأت أخرى عملية الفرز الأولى يدوياً على أن
تعقبها أخرى إلكترونية.
وكتب الرئيس ميشال عون على حسابه على تويتر: "فوجئت بضعف الإقبال على الاقتراع"، داعياً اللبنانيين قبل نحو ساعة من إقفال صناديق الاقتراع "ألا يضيعوا الفرصة".
إقبال ضعيف
وبسبب ضعف الإقبال، اقترح حزب الله التمديد، ودعا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى "الانقضاض والتجمع في مراكز الاقتراع".
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية كريم مفتي، أن "نسبة المشاركة المنخفضة ليست سوى مؤشر إلى إحباط اللبنانيين".
ومن شأن نسبة المشاركة المنخفضة أن تنعكس تدنياً في الحاصل
الانتخابي، الذي يحتسب باقتسام عدد الناخبين على عدد المقاعد في كل دائرة، ما قد
يسهل لمرشحي المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة فوزهم بمقاعد برلمانية.
وتعبر فئات واسعة من اللبنانيين عن خيبة أمل من تكرر الوجوه ذاتها
وخوض القوى التقليدية نفسها المعركة، علماً أنها لم تنجح على مدى عقود في تقديم
حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها لبنان.
وقال غي فرح (36 عاماً) الذي اقترع في منطقة رأس النبع في بيروت:
"يعني لي كثيراً انني أنتخب وأشارك في التغيير لأننا منذ تسع سنوات لم
ننتخب"، معتبراً أن "الانتخابات وفق النظام النسبي هي أول خطوة"
على طريق التغيير.
وتجري الانتخابات للمرة الأولى منذ 2009، بعدما مدد البرلمان الحالي
ولايته ثلاث مرات متتالية بحجة الانقسامات السياسية والمخاطر الأمنية على خلفية
النزاع السوري.
ويبلغ عدد الناخبين على لوائح الشطب أكثر من 3,7 ملايين شخص. ويتنافس
597 مرشحاً بينهم 86 امرأة للوصول إلى البرلمان الموزع مناصفة بين المسيحيين
والمسلمين في البلد الصغير ذي التركيبة الطائفية الهشة والموارد المحدودة.
وأعرب مواطنون عن امتعاضهم من بطء العملية الانتخابية، وعزا البعض
ذلك إلى القانون الجديد الذي يعتمد على أوراق انتخابية مطبوعة مسبقاً، فيما كان
الناخب في السابق يدخل واللائحة الانتخابية في يده.
وقال أبو علي (42 عاماً) من مدينة بعلبك شرق لبنان: "العملية بطيئة جداً، الناخب يأخذ وقته في قلم الاقتراع، يبقى دقائق عدة في الداخل بسبب النظام الجديد".
وأثّرت التحالفات الانتخابية بين القوى السياسية على حماسة الناخبين.
وتظهر اللوائح التي تخوض الانتخابات زوال التحالفات التقليدية التي
طبعت الساحة السياسية منذ 2005، لجهة الانقسام بين فريقي 8 مارس الذي يعد حزب الله
المدعوم من إيران أبرز أركانه، و14 آذار بقيادة رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة
الحالية سعد الحريري.
ودفع قانون الانتخاب الجديد غالبية القوى السياسية إلى نسج تحالفات
خاصة بكل دائرة انتخابية حتى بين الخصوم بهدف تحقيق مكاسب أكبر. وفي معظم الأحيان،
لا تجمع بين أعضاء اللائحة الواحدة برامج مشتركة أو رؤية سياسية واحدة، إنما مصالح
آنية انتخابية، الأمر الذي أثار انتقادات شريحة واسعة من الناخبين.
والثابتة الوحيدة في التحالفات الانتخابية هي اللوائح المشتركة بين
حزب الله وحركة أمل، بما يكرس إلى حد بعيد احتكارهما للتمثيل الشيعي.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأمريكية في
بيروت عماد سلامة: "التحالفات البرلمانية بعد الانتخابات ستشبه التحالفات
الانتخابية الحاصلة اليوم"، مضيفاً "لن يكون هناك تكتلات واضحة المعالم
أو تحالفات طويلة أو ثابتة، بل بلوكات متحركة يتم اعتمادها بحسب كل موضوع".
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات لناحية توزيع المقاعد على الكتل
والأحزاب وطبيعة التحالفات لاحقاً، يقول محللون إن حزب الله سيكون
"المستفيد" الأكبر.
ويوضح سلامة "لن يكون البرلمان الجديد مصدر إزعاج لحزب الله،
الذي سيستفيد من شرعنة دولية من دون تقييد حركته العسكرية والسياسية في المنطقة".
ولطالما شكل سلاح حزب الله المدعوم من إيران والذي يقاتل إلى جانب
قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين. لكن الجدل حول سلاحه
تراجع إلى حد كبير قبل الانتخابات بفعل "التوافق السياسي" القائم حالياً.
وأعلنت الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات، منظمة غير
حكومية مشرفة على عملية الاقتراع، انتهاكات عدة وإشكالات خلال العملية الانتخابية،
بينها تضارب بالعصي والسكاكين في زحلة (شرق) وشكوى أحدى مرشحات المجتمع المدني في
الجنوب من تعرضها لاعتداء من قبل مندوبي لائحة حزب الله وحركة أمل الشيعيين.
وبث تلفزيون محلي شريط فيديو يظهر إقدام شاب على كسر صندوق الاقتراع البلاستيكي وبعثرة محتوياته إثر إشكال في قلم الاقتراع.