تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تلقيت دعوة من صديقى الكاتب الصحفى أحمد ناجى قمحة، رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية»، لحضور احتفالية أقامتها المجلة بمناسبة مرور عامين على العضوية غير الدائمة لمصر فى مجلس الأمن، بحضور سامح شكرى وزير الخارجية، وجدتها فرصة ثمينة للاستماع لـ«أسد الخارجية المصرية»، وطرح بعض الأسئلة الهامة والتى تشغل الرأى العام، حتى نضع النقط فوق الحروف فيما يتعلق بالقضايا العربية والإقليمية، جلسنا نتحاور مع الوزير لمدة ساعة كاملة، كان الوزير حاسمًا فى ردوده، قويًا فى حُجته، متحدثًا جيدًا باسم الدبلوماسية المصرية العريقة، مُستكملًا الطريق لخلافة عظماء الخارجية على مدى عصور طويلة.
سامح شكرى، لم يتحدث بطريقه دبلوماسية مثلما يتحدث الوزراء عادة، لكنه تحدث بصدق ودون مواربة، كان حديثه جريئًا واضحًا ولا يحتمل معنيين وقال: حدد الرئيس عبدالفتاح السيسى محددات السياسة المصرية، ووضع خريطة طريق لسياستنا الخارجية الرشيدة وفق عدة مبادئ منها «نحمى مصالحنا، نصون سيادتنا، قرارنا مستقل بحكم رؤيتنا ودورنا، نتواصل ونتحاور ونعرض وجهة نظرنا، ولا نتوانى عن تقديم النُصح والإرشاد لكل الأطراف الدولية».
حينما سألت سامح شكرى عن ما قيل عن صفقة القرن، خاصة وأن جماعة الإخوان الإرهابية تحاول وصم النظام الحالى بما كانوا يخططون له وتورطوا فيه، وانكشف أمرهم بالاتفاق مع إسرائيل لتبادل الأراضى والتفريط فى جزء من سيناء، وهو ما أكده منذ أيام قليلة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن، من أن «محمد مرسى المعزول» عرض عليه التنازل عن جزء من أراضى سيناء؟ قال سامح شكرى، إن ما تُسمى بـ«صفقة القرن» هى عملية تبادل الأراضى بين إسرائيل وفلسطين ولا شأن لنا بها، وهناك رؤية أمريكية لم يتم الإفصاح عنها لكننا استشفينا بعضًا منها أثناء المُداولات، ولن نُفرط فى ذرة من تراب الأرض المصرية.
عاودت السؤال مرة أخرى للوزير، وقُلت له: اعتاد الرئيس الأسبق حسنى مبارك على توجيه الدعوة لعقد مؤتمر دولى للإرهاب رغم أن الإرهاب وقتها لم يكن بالانتشار على المستوى الدولى الآن، أما آن الأوان أن تدعو مصر المجتمع الدولى لعقد مؤتمر دولى للإرهاب؟ رد الوزير وقال: «إننا دائمًا ما نُحذر من الإرهاب ومخاطره، ودائمًا ما نُطالب بموقف دولى للتصدى للإرهاب، وكان البعض يعتبر أن الإرهاب ظاهرة محلية نتيجة الفقر والظلم، لكننا قلنا إن الإرهاب ناتج عن فكرة أيديولوجية تكفيرية متطرفة، ونجحوا من تبنوا هذه الفكرة فى الدخول فى تنظيمات وسيطروا على الأراضى، وبعد تحذيراتنا المتوالية شعرت بعض الدول فى أوروبا وأمريكا بمخاطر هؤلاء حاملى الفكر المتطرف، وقلنا كل ما لدينا حول مخاطر الإرهاب المُنظم، وسنظل نقول ونحذر».
وكشف سامح شكرى عن عمليات استهداف مباشرة لسيادة الدول وقال: «هناك استهداف مباشر لسيادة الدول عن طريق استخدام ميليشيات ممولة ومسلحة تحارب بالوكالة عن أطراف دولية، وتستغل الصراعات لخدمة مصالح أطراف دولية، وهو ما حذرنا منه، وقُلنا إن إرادة الشعوب هى التى تحافظ على سيادة الدول ولا بد من احترام هذه الإرادة».
وفيما يتعلق بطبيعة العلاقات مع إثيوبيا، أوضح «شكرى» قائلًا: «نحن لدينا مرونة فى التعامل مع الأشقاء فى إثيوبيا، ونضع أنفسنا فى موضع الشركاء معهم، ونتعامل مع هذا الملف باتفاق المبادئ الذى يقضى بعدم الإضرار بأى دولة استنادًا إلى القانون الدولى، ونتعاون فيما بيننا لتحقيقه بتوافق وليس عن طريق فرض أمر واقع».
وعن الأزمة السورية، أكد «شكرى» قائلًا: «سياستنا ثابتة تجاه الأزمة السورية، وقائمة على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى السورية ومؤسساتها، والحل السلمى عن طريق التفاوض بين جميع الأطراف، ومصر ترفض أن تكون سوريا مركزًا لتصفية صراعات القوى الدولية، كما أننا نُدعم كل الجهود الرامية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار فى جميع الأراضى السورية، والوقوف الفورى للعنف وتحسين الأوضاع الإنسانية، وإيجاد حل سياسى يُنهى الأزمة ويحافظ على وحدة الأراضى السورية واستقلالها، ويُنهى وجود التنظيمات الإرهابية بها».
وعن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، أوضح «شكرى» أن العلاقات مع أمريكا مُهمة جدًا والحوار بيننا لا يتوقف، ونتواصل معهم، وقرارنا نابع من استقلالنا، ونعمل على حماية مصالحنا، ودائمًا ما نُطالبهم بالقيام بدور للضغط للتوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية والتى نعتبرها قضيتنا الأولى.
وفى النهاية طالب سامح شكرى بضرورة تنظيم استخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن، وتحديدًا فى القضايا التى تمس الاستقرار والسلم الدوليين، خاصة وأن هناك خلافات حول إصلاحات مجلس الأمن، وحق الفيتو هو الذى أعاق الوصول لحل للأزمة السورية.
خرجنا من الاحتفالية ونحن مطمئنون على الدبلوماسية المصرية العريقة، واثقون من أن محددات السياسة المصرية التى وضعها الرئيس السيسى شفافة وحيادية، سياسة لها وجه واحد، عنوانها الشرف والأمانة والنزاهة والعدالة، سياسة لا تهدف للتدخل فى شئون الدول بل تحافظ على الدول وتحفظ حدودها، وتحفظ لشعوبها حق تقرير مصيرها، سياسة ترى بعينين وليس بعين واحدة، سياسة تُعلى من شأن الأمن القومى المصرى وتحفظ سيادة الوطن وتصون كبرياءه، سياسة شعارها «المبادئ أولًا والمصالح ثانيًا» وليس العكس، سياسة ترى جيدًا المخاطر الناتجة عن الفوضى والعنف الناتج عن استخدام ميليشيات مسلحة مُتطرفة تستخدم الدين ستارًا لها للضحك على الشعوب المغلوبة على أمرها، سياسة ترى جيدًا ألاعيب دولية فاسدة تستهدف السيطرة على ثروات الأمم ومُقدراتها، سياسة مدركة وواعية للمؤامرات التى تحاك ضدنا، ولا تتوانى فى مواجهتها وفضحها وكشف زيفها والتصدى لها، ليبقى وطننا عزيزًا أبيًا مُصانًا، بفضل أبنائه الخائفين عليه والحافظين له فى وقت تشتد فيه الصراعات الدولية الطاحنة بين الدول الكبرى، وتدهس فيه الدول الصغرى.