تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
هى مرات قليلة فى تاريخ الصحافة المصرية يكتب عنوان مقال بلغة أخرى غير اللغة العربية التى تصدر بها الصحيفة، وهو وفقًا للترجمة «صباح الخير يا أثينا.. صباح الخير يا نيقوسيا»، فالعنوان مكتوب باللغة اليونانية لكى يعكس بصدق الإحساس النبيل نحو أشقاء الحضارة اليونانية والقبارصة بمناسبة أسبوع العودة للجذور الذى يرعاه الرئيس السيسى والذى تبدأ فعالياته بالإسكندرية، فهى تعكس مسيرة طويلة بدأت قبل الميلاد تترسخ يومًا بعد يوم فالعرفان متبادل والجسور الإنسانية صلبة لم تتصدع.
وإذا قيل عن مصر قديمًا على لسان هيرودوت، إن مصر هبة النيل، لكنها أيضًا هى واليونان وقبرص هبة الإنسان المصرى واليونانى والقبرصى للحضارة والتاريخ على حوض المتوسط «بحيرة الحضارات».
الإسكندرية.. وأهل القمة!
إن عروس المتوسط على موعد لاستقبال أسبوع تاريخى، وهو العودة للجذور بين المثلث الذهبى الذى يمثل مصر واليونان وقبرص، ويحظى هذا الملتقى برعاية الرئيس السيسى، ونظيره اليونانى بروكوديس بافلوبولوس، والقبرصى نيكوس أناستاسيادس بمبادرة شعبية لإحياء الجذور الحضارية التاريخية، حيث تمثل نقطة الارتكاز فى بحيرة الحضارات، والتى أطلق عليها هذا الوصف عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين؛ حيث تزامنت هذه الدعوة مع دراسات جيولوجية لحوض المتوسط وفلسفة الكوزموبوليتانية والحركة بين الأسر من خلال خط الحضارة الذى أرسى قواعده الأسكندر الأكبر الذى حول قرية صغيرة إلى أعظم مدن المتوسط، وأطلق عليها اسمه لتصبح حاضرة الدنيا وقبلة المتوسطيين، ولعل بطليموس أول من رتب المعلومات الجغرافية، وقسم الأرض إلى أقاليم مناخية، وبقيت آراؤه مسيطرة على الفكر الجغرافى والمناهج عدة قرون، وثار عليه العلماء ثورة موضوعية واتجهوا إلى فلسفة التاريخ والجغرافيا الإنسانية والاجتماعية لتناول فكر اليونان الكلاسيكى، وهو الخيط الأول لعصر النهضة الأوروبية ونشأة نظرية المعرفة والعلوم المركبة، فكل هذه التفاعلات كانت تدور فى محيط بحيرة الحضارات، فظهرت ما سمى التاريخ والجغرافيا الروحية وانتشار الأديان والعقائد، ثم المدارس الفكرية المتنوعة؛ حيث تحولت هذه المنطقة لتقنية الأفكار الجديدة التى اجتاحت العالم.
إن البحر المتوسط كان سيد حضارته، وإن أول فكرة لفلسفة «العولمة» تمت فى عهد الأسكندر من خلال حملته التاريخية من بلاد الأغريق إلى الشرق الأدنى ومصر وحدود برقة وإيران وتركستان الغربية والسند والعودة لمصر فى الختام إلى الشرق وقضى نحبه، فإن فى هذه المرحلة تكون أكبر رحلة حققت الاتصال العالمى وفتح الآفاق قبل الميلاد، أما الأديان فاليهودية ديانة غير تبشيرية على حين جاءت المسيحية والإسلام بعد الإسكندر منها ما هو تبشيرى فى حين إن الإسلام كان دينًا يقوم على أساس الموعظة الحسنة، لكن يشترك مع المسيحية فى فهم «الأخوة العالمية».
الطريق إلى اليونان، وقبرص مصدر صنع الاتصال السلمى فى العالم القديم، ورغم أن غزوات الإسكندرية أول حرب عالمية فى التاريخ، ورسخت فكرة العولمة القديمة وتزامنت مع نزول الديانات السماوية، واستطاع محمد على أن يؤسس رؤية مصرية ويعمل على تحديث رسالة الإسكندر وأنشأ أسطولًا بحريًا.
كان القرن الماضى أوج مرحلة الاندماج الإنسانى بين مصر واليونان بعد أن تعرضت لأزمة سياسية واقتصادية تسببت فيهم إنجلترا؛ حيث استخدمت تركيا للقيام بحرب عقابًا على تعاطفها مع الحق العربى فى فلسطين، وخلعت السلطان عبدالحميد ودفعت أتاتورك للقيام بهذه المهمة، وكانت الإسكندرية الحضن الدافئ وجسر التواصل لليونان؛ حيث توحدت مشاعرهم وأتاحت لهم فرص العمل والاستثمار؛ حيث برز اسم تيودور كوتسيكا فقد تبرع بمبلغ 8 آلاف لتسليح الجيش المصرى وناشد الأثرياء قائلًا أفيقوا من غفوتكم ونرد على هذه المبادرة، بأننا فى أمس الحاجة إلى دراسة أفكار كوتسيكا.
ونذكر أن هناك هامات اقتصادية يونانية شكلت العمود الفقرى لحركة الاستثمار فى مقدمتهم قسطنطين ميشيل وخوريمى بناكى وزوموكس وغيرهم، والثرى اليونانى جون إنطونياديس صاحب حدائق إنطونياديس والتى شهدت اتفاقية الجلاء عن مصر عام 1936مـ، وأول لجنة أوليمبية فى مصر وقضت فيها الإمبراطورة فوزية وشاه إيران شهر العسل، كما شهدت توقيع تأسيس جامعة الدول العربية، وموقف المرشدين اليونانيين فى أزمة قناة السويس، والذين عاونوا الربانين متولى الغتيت وأنيس أنسي، ونذكر أيضًا أن أول منظمة غير حكومية عرفتها مصر هى الجمعية اليونانية.
وإن أول من فكر فى إنشاء السد العالى هو المهندس (دانينيوس)، الذى ذكره الرئيس عبدالناصر فى خطاب تأميم القناة، وذكره السادات بالاسم فى مذكراته، وقد منحه معاشًا خاصًا حتى رحيله، والغريب أن المجلس الشعبى للإسكندرية رفض اتخاذ قرار بإطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة!
كما أن أحد المصريين من أصل يونانى، وهو ديمترى طناشى، فاز فى انتخابات مجلس الأمة عام 1957مـ، عن دائرة جناكليس التى أسسها اليونانيون.
ونذكر العلاقات الثنائية؛ فهناك أمير شعراء اليونان اختار الإسكندرية مقره ومزار سياحى يوناني، وخالد الذكر سيد درويش تعاطف مع اليونانيين وقام بتأليف الأغنية الشهيرة عن الجارسونات، والجميع ينتظرون صدور قرار سابق بتأسيس جامعة الإسكندر، والطريف أن إسماعيل يس صاحب أكبر شعبية أسند إليه بطولة معظم الأفلام التى تحمل اسمه إلى الفنانة اليونانية (كيتي).
ولا يعلم الكثير أن ملكة جمال العالم فى الخمسينيات كانت مصرية من أصل يونانى، وهى أنتيجون توستا، كما أن وزارة النقل البحرى الحالية بالحى اللاتينى كانت فى الأصل مقر القنصلية اليونانية بالإسكندرية، وقد قامت الحكومة المصرية بشرائها عام 1971مـ.