جميل أن تهتم الحكومات السابقة والحالية والمستقبلية بتوعية الناس بأهمية نظافة الشوارع والطرقات فى العاصمة القاهرة وغيرها من محافظات مصر الحبيبة، وأن تضع لها صناديق منتشرة فى بعض المناطق بالقاهرة مكتوب عليها «القاهرة مدينة نظيفة» بل وتطلق مبادرة بعنوان «خليك زى آدم» لحث بنى آدم على نظافة مدينتهم وعاصمة دولتهم، ولكن الأجمل أن يكون لدى هذه الحكومة وغيرها النية الصادقة فعلا لنظافة القاهرة العاصمة، ونظافة باقى المحافظات تباعا!.. وهى محاولة تضاف إلى محاولات سابقة من قبل لحث المواطنين على الالتزام بالسلوكيات السليمة فيما يخص البيئة والممارسات اليومية، وأهمها عدم إلقاء مخلفاتنا فى الشوارع، وتجنب إهدار المياه بغسيل السيارات بالخراطيم، أو رش الشوارع.
وبالرغم من أن هناك عقوبة قانونية على كل من يقوم بإلقاء القمامة فى الشوارع، فينبغى أن تُفعل المحافظة النص القانونى وتحصل هذه الغرامات حتى يكون هذا بمثابة رادع لهم للمحافظة على نظافة بلدهم، شأننا فى ذلك شأن الدول المتقدمة التى ينبغى أن نكون أفضل منها من ناحية النظافة والنظام والإتقان فى العمل، لأن الأديان جميعها تدعو إلى النظافة والدين الإسلامى، خاصة دعى المسلمين إلى إتقان العمل وليس سلوكيات الفهلوة، التى يمارسها بعض موظفى المحليات للإيحاء بقيامهم بنظافة العاصمة، التى أصبحت تأوى تلالا من القمامة يوميا موضوعة فى أكياس سوداء على جوانب الشوارع الرئيسية والفرعية، وربما فى مداخل الحارات والأزقة والطرقات، وتخرج منها رائحة عفنة وبجوارها صندوق ممتلئ عن آخره تستعد القمامة للخروج منه، ويبعثر فى بعضها أحد المواطنين الفقراء باحثا عن لقمة أو خضار لكى يسد جوع أولاده، ويظل يبحث عن شىء ما، غير آبه بالرائحة أو بما يخرجه ويلقيه من هذه الأكياس، وربما كان هذا المشهد المتكرر يوميا نراه فى القاهرة العاصمة التى لها تاريخ يمتد آلاف السنين، فأكوام القمامة التى تعلو جوانب الشوارع لا تفرق بين حى وآخر بها، ربما بسبب فشل الأحياء بها وفساد المحليات الذى لا ينتهى، بل وأصبح الأمر أزمة كل الحكومات المصرية السابقة والحالية.
ولكن على أى حال فقد أصدر محافظ القاهرة الحالى، عاطف عبدالحميد، قرارا برقم 758 لسنة 2018 للحد من ظاهرة إلقاء القمامة على الأرض، وتوقيع العقوبة والغرامة على من يخالف، حيث تنص المادة الأولى من القرار على «أنه يتعين على رؤساء الأحياء ومعاونيهم ومشرفى ومعاونى النظافة العاملين بها المخول لهم بموجب قرار وزير العدل «صفة مأمور الضبط القضائى» ضرورة مراعاة الالتزام بسرعة ضبط جريمة كل من ألقى القمامة أو القاذورات أو المخلفات فى غير الأماكن المخصصة لها، والمعاقب عليها قانونًا بغرامة لا تقل عن 500 جنيه، ولا تتجاوز ألفى جنيه دون الإخلال بأية عقوبة أخرى منصوص عليها فى القانون مع إلزام الحى بتكليف المخالف بإزالة أسباب المخالفة فى المدة التى تحددها له، وعرض إمكانية تصالح مرتكبى جريمة إلقاء القمامة أو القاذورات أو المخلفات فى غير الأماكن المخصص لها مع الحى المختص مقابل أداء مبلغ مالى...!» ولكن هل هذا كاف لحل المشكلة الأزلية لدينا وأزمة السلوك ؟!
ومن جانب آخر، فهناك فوائد جمة للقمامة الملقاة يوميا فى القاهرة وفقا لما كشفت عنه دراسة أعدها مجموعة من الطلاب المصريين برعاية من المركز الثقافى البريطانى، أن مصر تنتج كل عام حوالى 17 مليون طن من المخلفات الصلبة على مستوى الجمهورية بالكامل، وأضافت الدراسة، أن التقديرات تشير إلى أن المتولد اليومى للمخلفات الصلبة من القمامة حوالى 43 ألفًا و835 طنًا يوميا وفى بعض الأحيان يصل إلى 47 ألف طن حيث بلغت تكلفة رفع هذه القمامة فى القاهرة نصف مليار جنيه سنويا.
وقد أشار تقرير الجهاز المركزى للإحصاء، أن محافظة القاهرة جاءت فى المركز الأول من حيث كمية الزبالة التى تم التخلص منها وبلغت 2.7 مليون طن خلال عام 2014.
والسؤال هنا، هل سلوكيات الناس هى السبب؟ أم غياب دور الحكومة والمحليات عن وظيفتها الأساسية فى تقديم خدمات للمواطنين فيما يتعلق بجعل القاهرة مدينة نظيفة على أرض الواقع، بدلا من الشعارات والجمل التى لا تثمن ولا تغنى من جوع؟