لا شك أن النمر يسبق الإنسان فى العدو، كما يستطيع الأسد أن يقاتل أفضل من الإنسان، وتمتلك الطيور قدرة فائقة على الطيران. ولكن الإنسان يتميز عن كل هذه الكائنات بميزة كبرى، تلك هى العقل.
يستطيع الإنسان بفضل عقله هذا أن ينظم الأصوات المركبة، ويُكوّن منها كلامًا ذا معنى لتوصيل أفكاره إلى غيره من الناس، كما يستطيع أن يسجل هذه الأفكار بالكتابة والطباعة لينقلها إلى سواه، وأن يتأمل هذه الأفكار ويعيد تنظيمها بأشكال شتى ليحصل على معلومات جديدة، أو يصل إلى نتائج عن أشياء لا يستطيع أن يراها أو يسمعها أو يلمسها، وبعبارة أخرى إنه يستطيع أن يعقل.
وفى هذا الصدد تتمكن عقولنا من الوصول إلى مجالات هى أبعد ما تكون عن أن تصل إليها الحيوانات.
تمكن الإنسان بفضل قدرته على التفكير- فضلًا عن قدرته على الكلام واستخدام يديه بمهارة- من أن يخترع السيارات التى تسبق النمر فى سرعة عدوها، والطائرات التى تحلق فى أجواء تعجز أقوى الطيور وأسرعها عن الوصول إلى مستواها، كما تمكن أيضًا من صناعة الآلات الرافعة، والجرافات التى ترفع أضعاف ما يستطيع أى حيوان أن يرفعه.
إذا كان الإنسان يمثل امتدادًا لبقية الكائنات الحية؛ فإنه فى الوقت نفسه يختلف عن بقية أفراد هذه المملكة، فهو يجمع بين صفتين تبدوان متعارضتين فى الظاهر، وهما: الحيوانية والتفكير، لذلك درج أغلب المفكرين منذ قديم الزمان على تعريف الإنسان بأنه حيوان مفكر، فهو حيوان لأنه يشارك بقية جنسه الحيوانى فى النزوع إلى إشباع حاجات الجسد، وتحقيق مطالب الغريزة، فيسعى إلى طلب المأكل والملبس والمأوى والأنيس استمرارًا لحياته وحفاظًا على نوعه، ويصدر فى سلوكه عن بعض الدوافع الطبيعية مثل الحب والكراهية والتملك، ويسعى بحكم تلك الدوافع إلى الانتماء لجماعة يعيش بينها حفظًا لبقائه وتأمينًا لسلامته.
غير أن الإنسان- على الرغم مما فيه من هذا الجانب الحيوانى- يمتاز بجانب آخر فريد لا نجد له نظيرًا عند غيره من الحيوانات. فما عسى أن يكون هذا الجانب الإنسانى الفريد الذى يتميز به الإنسان عن الحيوان؟ هنا اختلف المفكرون فى تحديد هذا الجانب، وتباينت بشأنه إجاباتهم.
فحاول بعضهم أن يلتمسه فى صفة «الاجتماعية» تلك التى لا تظهر بصورتها الدقيقة إلا فى أفراد الإنسان، فقيل إن الإنسان «حيوان اجتماعي»، وشاء بعضهم أن يصل إليه على أساس تنظيم المجتمعات من الناحية السياسية، فقيل إن الإنسان «حيوان سياسي»، وذهب آخرون إلى أنه «حيوان أخلاقي»... إلخ.
ومن الملاحظ أن تلك التعريفات وما إليها إنما تفترض مقدمًا أن الإنسان- على عكس الحيوان- قادر على أن يتـدبر شـئون حياته، ويعى أمور معيـشته ويزن نتائج عمله، فهو الكائن الحى الوحيد الذى يعى أنه سوف يموت!! أى أنه- باختصار- يسلك على نحو يتسم بالتفكير والتعقل.
ومن هنا تأتى قوة التعريف التقليدى للإنسان بأنه «كائن مفكر» أو «حيوان عاقل». لأننا لو سلمنا بأن الإنسان مفكر أو عاقل كان من الطبيعى أن يصبح اجتماعيًا أو سياسيًا أو أخلاقيًا. وبذلك ترتد جميع التعريفات السابقة إلى هذا التعريف الأخير.
إن للإنسان خصائص كيفية مميزة له، وخاصة به ومقصورة عليه، ولا وجود لها بأية صورة من الصور لدى سائر الكائنات الحية الأخرى، ووجود هذه الخصائص الكيفية فى الإنسان هو «وجود بالقوة» وليس «وجود بالفعل»، فهذه الخصائص لا تتحقق بالفعل إلا إذا توافرت الشروط الإنسانية المواتية فى الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، ولكى يكون كلامنا أكثر وضوحًا نقول إن الفيلسوف اليونانى القديم أرسطو Aristotle (384 – 322 ق.م) استخدم مصطلحين غاية فى الأهمية، وهما: «الوجود بالقوة» و«الوجود بالفعل».
فالبذرة هى «بذرة بالفعل» ولكنها «شجرة بالقوة»، أى باعتبار ما سيكون.
و«الطفل» هو «طفل بالفعل»، ولكنه رجل أو امرأة «بالقوة». إن المرء الذى نال قسطًا كبيرًا من التعليم، قادر على القراءة بالقوة، ولكنه لا يقرأ بالفعل إلا إذا وُضِعَ أمامه كتاب وتوفر له الضوء الكافى، عند ذلك يحقق بالفعل ما هو قادر عليه بالقوة، لو أن أحدا منا غُمّيت عينيه أو وُضِعَ فى حجرة دامسة الظلام وطُلِبَ منه القراءة لما استطاع، إنه قادر بالقوة، ولكنه عاجز بالفعل لعدم توافر الشروط الضرورية المواتية اللازمة لذلك.
مثال ثالث، الطفل البشرى عندما يولد سليم الجسم فهو منذ اللحظة الأولى يكون قادرًا بالقوة على الكلام- لكنه لا يتكلم بالفعل إلا عندما يتحقق شرطين: الوصول إلى سن الكلام، والوجود فى وسط إنسانى متكلم، ولو أن هذا الطفل عاش فى وسط حيوانى- مثل بعض أطفال الغابة، لما استطاع الكلام. القدرة على الكلام هى «إمكان يوجد بالقوة»، أى يولد به كل إنسان، ولا يتحقق بالفعل إلا فى وسط إنساني، والأمر بالمثل فى جميع القدرات والوظائف الإنسانية؛ فهى أشبه بقدرة كامنة خام، تظهر وتتشكل خلال الوسط الإنساني. هذه القدرات الإنسانية التى تتصف «بالإمكان» تختلف اختلافًا كيفيًا عن القدرات المميزة للحيوان.
يستطيع الإنسان بفضل عقله هذا أن ينظم الأصوات المركبة، ويُكوّن منها كلامًا ذا معنى لتوصيل أفكاره إلى غيره من الناس، كما يستطيع أن يسجل هذه الأفكار بالكتابة والطباعة لينقلها إلى سواه، وأن يتأمل هذه الأفكار ويعيد تنظيمها بأشكال شتى ليحصل على معلومات جديدة، أو يصل إلى نتائج عن أشياء لا يستطيع أن يراها أو يسمعها أو يلمسها، وبعبارة أخرى إنه يستطيع أن يعقل.
وفى هذا الصدد تتمكن عقولنا من الوصول إلى مجالات هى أبعد ما تكون عن أن تصل إليها الحيوانات.
تمكن الإنسان بفضل قدرته على التفكير- فضلًا عن قدرته على الكلام واستخدام يديه بمهارة- من أن يخترع السيارات التى تسبق النمر فى سرعة عدوها، والطائرات التى تحلق فى أجواء تعجز أقوى الطيور وأسرعها عن الوصول إلى مستواها، كما تمكن أيضًا من صناعة الآلات الرافعة، والجرافات التى ترفع أضعاف ما يستطيع أى حيوان أن يرفعه.
إذا كان الإنسان يمثل امتدادًا لبقية الكائنات الحية؛ فإنه فى الوقت نفسه يختلف عن بقية أفراد هذه المملكة، فهو يجمع بين صفتين تبدوان متعارضتين فى الظاهر، وهما: الحيوانية والتفكير، لذلك درج أغلب المفكرين منذ قديم الزمان على تعريف الإنسان بأنه حيوان مفكر، فهو حيوان لأنه يشارك بقية جنسه الحيوانى فى النزوع إلى إشباع حاجات الجسد، وتحقيق مطالب الغريزة، فيسعى إلى طلب المأكل والملبس والمأوى والأنيس استمرارًا لحياته وحفاظًا على نوعه، ويصدر فى سلوكه عن بعض الدوافع الطبيعية مثل الحب والكراهية والتملك، ويسعى بحكم تلك الدوافع إلى الانتماء لجماعة يعيش بينها حفظًا لبقائه وتأمينًا لسلامته.
غير أن الإنسان- على الرغم مما فيه من هذا الجانب الحيوانى- يمتاز بجانب آخر فريد لا نجد له نظيرًا عند غيره من الحيوانات. فما عسى أن يكون هذا الجانب الإنسانى الفريد الذى يتميز به الإنسان عن الحيوان؟ هنا اختلف المفكرون فى تحديد هذا الجانب، وتباينت بشأنه إجاباتهم.
فحاول بعضهم أن يلتمسه فى صفة «الاجتماعية» تلك التى لا تظهر بصورتها الدقيقة إلا فى أفراد الإنسان، فقيل إن الإنسان «حيوان اجتماعي»، وشاء بعضهم أن يصل إليه على أساس تنظيم المجتمعات من الناحية السياسية، فقيل إن الإنسان «حيوان سياسي»، وذهب آخرون إلى أنه «حيوان أخلاقي»... إلخ.
ومن الملاحظ أن تلك التعريفات وما إليها إنما تفترض مقدمًا أن الإنسان- على عكس الحيوان- قادر على أن يتـدبر شـئون حياته، ويعى أمور معيـشته ويزن نتائج عمله، فهو الكائن الحى الوحيد الذى يعى أنه سوف يموت!! أى أنه- باختصار- يسلك على نحو يتسم بالتفكير والتعقل.
ومن هنا تأتى قوة التعريف التقليدى للإنسان بأنه «كائن مفكر» أو «حيوان عاقل». لأننا لو سلمنا بأن الإنسان مفكر أو عاقل كان من الطبيعى أن يصبح اجتماعيًا أو سياسيًا أو أخلاقيًا. وبذلك ترتد جميع التعريفات السابقة إلى هذا التعريف الأخير.
إن للإنسان خصائص كيفية مميزة له، وخاصة به ومقصورة عليه، ولا وجود لها بأية صورة من الصور لدى سائر الكائنات الحية الأخرى، ووجود هذه الخصائص الكيفية فى الإنسان هو «وجود بالقوة» وليس «وجود بالفعل»، فهذه الخصائص لا تتحقق بالفعل إلا إذا توافرت الشروط الإنسانية المواتية فى الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، ولكى يكون كلامنا أكثر وضوحًا نقول إن الفيلسوف اليونانى القديم أرسطو Aristotle (384 – 322 ق.م) استخدم مصطلحين غاية فى الأهمية، وهما: «الوجود بالقوة» و«الوجود بالفعل».
فالبذرة هى «بذرة بالفعل» ولكنها «شجرة بالقوة»، أى باعتبار ما سيكون.
و«الطفل» هو «طفل بالفعل»، ولكنه رجل أو امرأة «بالقوة». إن المرء الذى نال قسطًا كبيرًا من التعليم، قادر على القراءة بالقوة، ولكنه لا يقرأ بالفعل إلا إذا وُضِعَ أمامه كتاب وتوفر له الضوء الكافى، عند ذلك يحقق بالفعل ما هو قادر عليه بالقوة، لو أن أحدا منا غُمّيت عينيه أو وُضِعَ فى حجرة دامسة الظلام وطُلِبَ منه القراءة لما استطاع، إنه قادر بالقوة، ولكنه عاجز بالفعل لعدم توافر الشروط الضرورية المواتية اللازمة لذلك.
مثال ثالث، الطفل البشرى عندما يولد سليم الجسم فهو منذ اللحظة الأولى يكون قادرًا بالقوة على الكلام- لكنه لا يتكلم بالفعل إلا عندما يتحقق شرطين: الوصول إلى سن الكلام، والوجود فى وسط إنسانى متكلم، ولو أن هذا الطفل عاش فى وسط حيوانى- مثل بعض أطفال الغابة، لما استطاع الكلام. القدرة على الكلام هى «إمكان يوجد بالقوة»، أى يولد به كل إنسان، ولا يتحقق بالفعل إلا فى وسط إنساني، والأمر بالمثل فى جميع القدرات والوظائف الإنسانية؛ فهى أشبه بقدرة كامنة خام، تظهر وتتشكل خلال الوسط الإنساني. هذه القدرات الإنسانية التى تتصف «بالإمكان» تختلف اختلافًا كيفيًا عن القدرات المميزة للحيوان.