• وأنت تقرأ تاريخ مصرالحديث للمؤرخ الشيخ عبدالرحمن الجبرتي، لا بد أن تدرك أن الشيخ الأزهرى العتيد كان فاقدًا للحيدة مغيبًا للموضوعية، وأنه كان ينطلق فى تأريخه لتاريخ مصر من مصالحه الذاتية الضيقة.
• وأن كتابه الأول (عجايب الآثار) الذى مجد فيه الفرنسيس كان بسبب تعيينه عضوًا فى المجلس الوطنى العام أيام مينو واختيار الفرنسيين له ضمن ٩ علماء حصرًا لهذا المنصب الوجيه.
• كذلك لابد أن يدرك القارئ أن الشيخ عبدالرحمن الجبرتى كان (ملتزمًا، «أى كانت لديه إقطاعية يجمع منها الضرائب من الفلاحين ويلتزم بدفع وتسديد ضرائبها للوالى العثماني».
• ولأنه «ملتزم» فهو يمتلك بالتالى وسية أيضا، وهى عبارة عن «قطعة أرض تمثل ٥٪ من مساحه الالتزام الإجمالى له يزرعها الفلاحون له بالسخرة دون أجر ومعفاة من الضرائب أيضا».
• وعلينا أن ندرك أن الرجل تأثرت كتاباته للغاية بمصالحه ودار مع السلطة حيث دانت.
• فإذا كانت السلطة للفرنسيس، فهو معهم يمجد وينفخ ويبالغ فى ترحاب المصريين بهم لتخليصهم من المماليك، وإذا دانت السلطة للعثمانيين مرة أخرى، فهو معهم لاعنًا الفرنساويين وأيامهم!!!!.
• فعندما فشلت حملتهم فى العام ١٨٠١ واضطروا للخروج من مصر على يد الإنجليز تحول موقف الرجل على الفور وراح يكتب ضدها ويلعنها ويمجد فى العثمانيين طبعًا أصحاب السلطة العائدة بعد طول غياب، بمساعدة الإنجليز.
• وعندما قرر محمد على باشا إلغاء نظام الالتزام وجمع حجج الملتزمين ومزقها ولم يعترف بها وصادر الأراضى منهم وفرض الضرائب على الوسايا، كتب الجبرتى ضده وهاجمه وأسماه «المحتكر الوحيد».
• كان يكتب ضد محمد على إرضاءً للعثمانيين الذين يكرهون محمد على الذى فرضه المصريون على السلطان، والذى قاد مظاهرات المصريين ضد العثمانى، وهتف المصريون وقتها «يارب يا متجلى أهلك العثمانلي» وشارك فى حصار المصريين ٣ شهور للوالى العثمانى خورشيد باشا عام ١٨٠٤ حتى تم عزله.
• كتاب الجبرتى الأول اسمه «عجايب الآثار فى التراجم والأخبار» المعروف باسم تاريخ الجبرتى، وهو من أربعة مجلدات تمتد ما بين عام 1688 إلى 1821 أرَّخ فيه لتاريخ مصر فى هذه الفترة الهامة.
• أما الكتاب الثانى الذى غير فيه الجبرتى موقفه من الفرنساويين وصار يلعنهم ويكتب ضدهم فهو بعنوانــ مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيســ الذى يغطى فترة الاحتلال الفرنسى لمصر على مدى عامين من 1798 إلى 1800 ــ فقد وضع التقديس هذا لأجل عيون السلطان العثمانى القادم لحكم البلاد وأهداه إلى الوزير يوسف باشا، وقد نال هذا الكتاب ثناء كبيرًا من الحكام العثمانيين آن ذاك، حيث حملة الوزير العثمانى إلى الأستانة وعرضه على السلطان (سليم الثالث) الذى أمر كبير أطبائه مصطفى بهجت بنقله إلى اللغة التركية فتم ذلك عام1807، وقد حرص الجبرتى فيه على إيصال فكرة أنه كان غير مؤيد أو داعم لوجود الفرنسييين كما لعنهم لعنًا شديدًا، وهم من خلصوا مصر من المماليك الذين أذلوا المصريين سنين طويلة فى كتابه الأول!!.
• لذا وجب على قارئ الجبرتى أن يدرك تحول الموقف السياسى للرجل إلى النقيض وفقا لتغيرات الواقع السياسي.
• فبينما كان الوجود العثمانى غائبًا فى البداية تمامًا، حيث نجح المماليك فى استرداد الحكم فى مصر والحجاز والشام من العثمانيين على يد قائد المماليك على بك الكبير ومساعده محمد بك أبوالدهب فى العام ١٧٦٨ وحتى العام ١٨٧٥ أبو الدهب وتولى مماليكه مراد بك وإبراهيم بك حكم مصر طيلة الفترة التالية حتى مجيء الحملة الفرنسية لمصر فى العام ١٨٩٨ والتى أعلنت أنها جاءت لتخليص المصريين من ظلم المماليك، سيعود الوجود العثمانى مرة أخرى بعد خروج الفرنسيين وتعيين ناصح باشا عام ١٨٠١ واليًا عثمانيًا خالصًا على مصر، وسوف يتوالى حضور الولاة العثمانيين فى تلك الفترة، كشك باشا وخسرو باشا وطاهر باشا وأحمد باشا وعلى باشا وخورشيد باشا وحتى نجاح المصريين فى فرض محمد على واليا على مصر وهو غير عثمانلى، إلا أن مصر ظلت تابعة للدولة العثمانية حتى بعد وفاة شيخنا ومؤرخنا الكبير فى العام ١٨٢٥ نرجو الإدراك وحتى هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى ١٩١٨.
----
كوتيشن: عندما قرر محمد على باشا إلغاء نظام الالتزام وجمع حجج الملتزمين ومزقها ولم يعترف بها وصادر الأراضى منهم وفرض الضرائب على الوسايا، كتب الجبرتى ضده وهاجمه وأسماه «المحتكر الوحيد»