يعُد المحلل السياسى والمفكر والباحث مجهتدًا اذا قرأ مشهد اليوم على كافة الأصعدة بنجاح ولكن يعتبر نابغًا اذا تنبأ بالمشهد الذى سوف يتصدر الساحة الغد .فالجميع من ساسة دارسين ومحللين منشغلون اليوم كيف التهب موقف الغرب حيال الأزمة السورية فى غضون أيام قلائل ولكن نحن لا ندرى كيف سيكون لذلك من عواقب على الشرق الأوسط عامة ومصر تحديدًا.فيصعب على الغرب استيعاب حتى اليوم أن مصر هى أول من اجتازت سحابة "الربيع العربى " وأصبحت تخطو بل تركض على خطوات التنمية والنجاح ..فمن يقبل أن يرى ميلاد دولة جديدة قد تكون بين الدول الكبرى على عرش العالم ؟
والقاعدة السياسية التى لا يتوقف عن ممارستها الغرب هو الهاب الموقف بسبب وان غاب السبب فايجاده هو حرفتهم الأساسية لكى يبرر السياسى الغربى رد فعله .كان لابد من وجود الحرب الكيماوية فى سوريا سواء وجدت بالفعل أو لا - بغض النظر – عن الفاعل ان صحت !
لكى يكون ذلك السبب فتقوم أمريكا والدول الكبرى وتتحجج به للتدخل العسكرى ,سيناريو تكرر كثيرًا قبل ذلك وأصبحت أمريكا تتفن فى ايجاد السبب لكى تغالى فى رد الفعل .فكم من رئيس أمريكى أتخذ من الحرب على الارهاب وسيلة وغطاء ايدولوجى لاعادة انتخابه فى الفترة الثانية !
ولكن ما يتولد عن ذلك المشهد هو الأخطر وقد بدأت النغمة تتواتر على الألسن من شخصيات عامة وشخصيات غائبة عن المشهد السياسى وشخصيات عربية عن غياب الدور المصرى والعربى فى حل الأزمة السورية والاتكاء على العاطفة الشرق أوسطية والعزف على أوتار الهتافات العاطفية لتهييج الرأى العام ضد النظام المصرى خاصة وأن صمتنا ما هو الا عار فى حق سوريا الشقيق
ولكن فى حقيقة الأمر أن هذا هو الاستدراج السياسى وقلب الشعوب على النُظم الحاكمة بطريقة عاطفية تليق بنا كشعب عاطفى ولكن طوبى لمن يعى المغزى !وماوراء تلك التصريحات
فمن يشجب ويدين دور مصر لحل الأزمة السورية لماذا لا يشجب ويدين بالأولى التدخل العسكرى الخارجى من قبل دول الغرب؟ أو دعونا نفكر لٌحٌيظة ! كلنا نعلم كم يتكلف الانفاق الحربى والمعدات الحربية فهل تنفق أمريكا ودول الغرب مليارات الدولارات على معدات حربية وانتاج حربى لتحرير سوريا بلا مقابل؟من أجل السلام مثلا؟أم هو عمل خيرى تقوم به أمريكا من أجل البشرية والعالم كله ؟
أأصبحت أمريكا اليوم تحارب نيابة عن العالم كله الارهاب مثل مصر العظيمة؟
بالطبع لا..فكل المليارات التى تُنفق على المعدات الحربية والصواريخ ..الخ ما هو الا مقابل تشتري به أمريكا سيادتها على العالم وقوتها واستعراض لقواتها الحربية ..استعراض عسكرى للعالم كله يوطد السيادة ويروج لأسلحة أمريكا الحربية الجديدة وتعرضها لجذب البلدان الأخرى لتشترى منها السلاح بمليارات أكثر ..عوضًا عن الموارد التى توجد فى سوريا لتأتى فى المقام الثانى فى قائمة أغراض أمريكا و يأتى فى المقام الثالث تناحرها مع روسيا القوة الأبقى من القوة الأمريكية غدًا وليس اليوم ربما ويأتى فى المقام الرابع انتخابات 2020 الرئاسية الامريكية ومدى تأثير الحرب فى سوريا على تلك الانتخابات والتشويش على الرأى العام داخل أمريكا.
ونعود لمصر العظيمة التى لم ولن تتدخل فى بلد ما يومًا لأن مطامع مصر هى فى مستقبلها لا تشترى المجد العالمى بالزيف لذا على الشعب المصرى أن يعى أن مثل تلك التصريحات المضادة لمصر فى هذا التوقيت هدفها الأساسى هو استدراج مصر سياسيًا لاتخاذ موقف غير ناضج أو استنفاذ مجهودتها ولهيها عن حرب الارهاب فى سيناء وحرب التنمية على أرضها
مصر لن تتأخر عن مساعدة أى بلد شقيقة ولكن بالمساعدة الحكيمة الدبلوماسية ومنع التدخل الخارجى فى أى بلد تخوض حربًا داخلية وليس بالاستدراج والانخراط فى حروب أو تدخل فى شئون الغير.