تغيرت استراتيجية وحجم الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا في اللحظات الأخيرة، لم يهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضربة محدودة جاءت في اللحظات الأخيرة، ذرًّا للرماد في العيون، وإنقاذًا لكرامته، ولكنه خطط لضربة شاملة تزيل حكم الأسد تمامًا وتزرع الفوضى في سوريا، فماذا جرى؟!
تحركات عديدة جرت في الساعات الأخيرة، من قبل دول وجهات كثيرة، تهديدات مبطنة وصريحة وصلت للبيت الأبيض، عن طريق وسطاء لعل أهمهم الشريك الفرنسي في الضربة، إيمانويل ماكرون، تؤكد بأن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي تجاهها.
عشرات التقارير الاستخباراتية وصلت للبنتاجون والرئيس الأمريكي، من قبل العديد من أجهزة الاستخبارات العالمية بينها أجهزة عربية، تحذر من هجمات انتقامية لحلفاء دمشق، وبالتحديد إيران وحزب الله، في حال تعرض سوريا لضربة شاملة.
سرعان ما تم إعادة الحسابات، وكان القرار أقرب إلى تأجيل الضربة أو إلغائها ولكن عجرفة ترامب دفعت باتجاه تلك الضربة المحدودة.
على الأرض جرى تنسيق واضح بين الأمريكان وكافة حلفاء دمشق وبخاصة الروس والإيرانيين، الرسالة كانت واضحة: لن نتعرض لأي من قواعدكم في سوريا، سنتجنب كافة الأهداف التي تتواجدون فيها، وبخاصة المطارات الحربية والقواعد العسكرية.
استعد الجميع للمواجهة وجاءت الضربة محدودة وغير مؤثرة، الأمر الذي دعا الروس للقول بأنها لم تحدث أية خسائر ذات جدوى، في الوقت الذي اعترف فيه الرئيس الأمريكي بأنها ضربة محدودة جرى خلالها تدمير عدد من مراكز البحوث وأيضًا مراكز إنتاج، ما ادعي أنها أسلحة كيماوية.
الرئيس بشار الأسد خرج منتصرا في تلك المعركة، التي توقع البعض أنها ستكتب السطر الأخير في قصة حكمه لسوريا.
سيعيد الأسد، بالتأكيد، ترتيب أوراقه وفق أبعاد تلك الضربة، سيحاول كسب أرضٍ جديدة ومساحات سياسية تجعله يقترب من أيام الحسم، التي حاول الأمريكان والغرب، كثيرا، إبعاده عنها قدر المستطاع، عبر إضعافه.
من جهة أخرى، تأتي الضربة عشية انعقاد القمة العربية في الدمام؛ لتضع القادة العرب تحت ضغط شعبي حقيقي تجعلهم يعيشون مأزقا حقيقيا، خاصة وأن بعض الدول العربية كانت مع الضربة وأسهمت في توجيهها، والبعض الآخر ضدها، والقسم الثالث اكتفى بالتنديد.
مصر بالطبع تعتبر أن الأمن القومي السوري جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، لذلك جاء الموقف المصري منددًا بالضربة باعتبارها تبعد سوريا عن الحل السياسي.
بالطبع، التعارض واضح وقديم بين الموقفين السعودي والمصري، إذ ترى السعودية ضرورة تحجيم وإضعاف الأسد عبر هكذا ضربات تمهيدا لهزيمته وخروجه من معادلة الحل النهائي في سوريا، بينما ترى مصر أن وجود الأسد ضمن معادلة الحل النهائي يجنب البلاد فوضى محققة في حال رحيله، بواسطة القوة المسلحة.
تلك التباينات قد تظهر في مؤتمر القمة أكثر وضوحا بعد الضربة الأخيرة، وقد تذهب الأوضاع إلى خلافات، يحاول الطرفان تجنبها في هذا التوقيت الصعب الذي تمر به المنطقة، وتغليب مساحات الاتفاق للمرور من هذا النفق العربي المظلم.
ستلقي الضربة التي وجهت بالأمس إلى سوريا، بالتأكيد، بظلالها على اجتماع القمة، ولكنها ستمر مرور الكرام، خاصة أن الأطراف المعارضة للضربة تعلم علم اليقين أن الأسد كان ولم يزل أكثر المستفيدين منها، بل يكاد يكون حسم معركته، وأعاد ترتيب أوراقه من خلالها.