أتعامل مع العلم السورى باعتباره معبرًا عن مساحة ليست بسيطة من الوجدان المصري، العلم الذى تم اعتماده رسميًا فى 1958 فى زمن الوحدة بين مصر وسوريا اختار الألوان الكلاسيكية الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود، وفى المنتصف ترتاح نجمتان، وفى تفسير هاتين النجمتين واحدة تشير إلى مصر والثانية تشير إلى سوريا.
لذلك يصبح طعم العلقم مزدوجًا فى حلوقنا عندما نرى ذلك العلم التاريخى، وهو يغيب بينما يرتفع بدلًا عنه علم الدواعش الأسود القبيح، وفى الأسابيع الأخيرة بالتحديد فى الغوطة الشرقية ودوما عاد العلم ذو النجمتين خفاقًا، بينما انسحب القتلة الإرهابيون فى الباصات إلى الشمال السوري، هذا التقدم للجيش العربى السورى وحلفائه فى محيط دمشق أعاد الأمان إلى العاصمة السورية، وهو ما أزعج إمبراطوريات الحرب فى عدد من العواصم تتقدمهم عاصمة الهلاك الأمريكية.
رأينا على الشاشات ما سموه استخدامًا للكيماوى فى دوما، وعرفنا أن لجنة فنية كانت فى طريقها إلى دمشق للفحص والتحليل، وبالرغم من ذلك سارعت أمريكا وبريطانيا وفرنسا قبل وصول اللجنة إلى ضرب سوريا بمائة وعشرة صواريخ، وبغض النظر عن أثر ذلك العدوان الثلاثى على الأرض وحجم خسائره، إلا أن الدلالة للعدوان أكبر أثرًا وكشفًا لعمق الفضيحة الدولية التى نعيش تفاصيلها كل يوم، ما بين العجز العربى والبلطجة الأمريكية يعيش المواطن العربى منسحقًا بين حجرى الرحى، يتطلع إلى رايته وهى ترتفع بالدم تارة وتغيب بفعل الخسة تارة أخرى.
ولعل الإهانة الكبرى التى وجهها العدوان الثلاثى لنا هى اختياره موعدًا كاشفًا لرؤيتهم الدونية لنا، الضرب جاء قبل انعقاد القمة العربية بساعات وكأن لسان حال المعتدين يقول لنا.. أنتم العرب لا قيمة لكم ونحن المعتدين سنواصل عملنا كشرطى مسئول عن كل العالم، تتكرر شكوانا وتنجرح حناجرنا من الهتاف ضد المعتدين، ثم يسير العالم بذات الوتيرة الفاسدة وذات المبررات المتهافتة والبلطجة الفجة نفسها.
يزعمون أنهم أنبياء الديمقراطية على هذا الكوكب، وينسون تواريخهم الاستعمارية فى الماضى والحاضر، والحقيقة هى أن الغضب لا يمكن أن نصبه على رأس المعتدين وحدهم، فالعدو هو العدو واضح الأهداف ولا يخفى وجهه كقاتل، الغضب الحقيقى لا بد أن يستدير ونحطه على رأس الذيول التى تعيش بيننا، يحملون هوياتهم العربية سواء أكانت مصرية أم سورية أم غيرهما، بينما هم مخالب القط لدول العدوان، يشهرون أصابعهم فى وجوهنا تحت دعاوى سخيفة من أجل انحراف البوصلة، يمهدون الطريق للمعتدى، ثم يدخلون مع دبابة الخصم لإسقاط الرايات المقدسة ورفع الرايات القبيحة.
سوريا التى تحارب منذ سبع سنوات عانت أبنائها أكثر من معاناتها مع الخصوم التقليديين، فكيف لى أن أفهم خروج بعضهم على شاشات تبث من تركيا وقطر ليرشدوا الأعداء عن مواقع بعينها فى سوريا لضربها، كيف أفهم الصمت العربى والعجز الذى ذقناه أكثر من مرة، عشناه مع العراق ورأيناه فى ليبيا والآن فى سوريا، لا أتعامل مع تلك الوقائع كمتفرج، لأن الحقيقة كما قلناها قبل عشرين عامًا هى أن القذيفة التى تسقط على أى أرض عربية يصل شظاياها إلى تخوم القاهرة.
نرى العلم السورى ذا النجمتين يقاوم وحده فى مواجهة غطرسة العالم، وننتظر يوم إعلان الانتصار الحاسم والحل السياسى المنتظر، نقاوم من أجل وحدة كامل التراب السورى وهزيمة الدواعش ومن خلفهم فى مكاتب أجهزة الاستخبارات العالمية، وقتها لن يجد خونة الداخل أبناء الحضن التركى مكانًا لهم على الأرض السورية ليوارى جثمانهم العفن.
ليس هناك تبرير لقمع سلطوى لكن منذ متى يتم التغيير فى بلد بغير أيدى أبنائه؟ ولو أن بالفعل السوريين كافة يريدون تغيير النظام لكان ذلك قد تم قبل سنوات عدة، أما الثورة المعلبة والمحضرة «دليفري» فلها أهدافها البعيدة تماما عن كرامة الشعب، والانتباه لهذا لا ينتظر سوى بعض من التدقيق فى الصورة بعيدا عن غسيل المخ المستمر عبر إسطنبول أو باريس أو غيرها من نوافذ صنع الخونة.