كتب الكاتب الجميل أحمد رجب فى جريدة الأخبار أول من أمس الثلاثاء، موجها حديثه إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة، يدعوه بشدة إلى أن يترشح لرئاسة مصر، ويؤكد أنه لن يغفر له عدم الترشح.
قد يرى الكاتب الكبير أن عدم ترشح الفريق السيسي في انتخابات الرئاسة تخلٍّ عن المسؤولية، ومن حقه - لا شكّ - ومن حق ملايين المصريين أن يروا ذلك، فالرجل تحرك عندما تجمدت كل القوى السياسية، ولجأ إلى الفعل عندما كانت أقصى مقاومة للنخب هي القول، وخاض المغامرة وقبل المخاطرة عندما تجنب الجميع إزعاج جماعة الإخوان، خوفا من سيفها أو طمعا في ذهبها.
كل ذلك صحيح لا شك، لكنّني أعتقد ــ ولدىَّ ما يدلّل على صحة اعتقادي، وأظن وليس كل الظن إثما ــ أن ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي يضر مصر كثيرا، ويؤثر سلبا على قدره ومكانته في قلوب المصريين.
لقد كان واضحا أن أحد المكتسبات الحقيقية للموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو أن القوات المسلحة صارت ضامنا للديمقراطية وحصنا لاستقلال الوطن، ولاشك أن بقاء الرجل على رأس تلك المؤسسة - في ذلك الظرف التاريخي العصيب - أفضل له ولمصر من انتقاله إلى رئيس مدني يتحمل أثقالا وأعباء وتداعيات لظروف استثنائية لا يمكن معها الوفاء بمتطلبات وطموحات الناس، إن دفع الرجل دفعا إلى الترشح للرئاسة في انتخاباتها المقبلة هو تعجيل بإحراق صورته، ومسار لقتل شعبيته لدى عامة المواطنين.
في الأسبوع الأول لرئاسته سيكون عليه تحقيق استقرار مبدئي في الأمن، وفي الأسبوع الثاني سيكون عليه إرضاء جماعات النخب السياسية، ثم تجمعات وروابط النشطاء وشباب الثورة، وفي الأسبوع التالي سيكون عليه تقديم حلول حقيقية لمواجهة الغلاء والانكماش الاقتصادي، وفي الأسبوع التالي سيكون عليه أن يعد الطبقات الوسطى والدنيا من الناس بانفراجة معيشية، ثم سيصبح عليه أن يفي بتلك الوعود، ومع هذا التلاطم من الأزمات والمشكلات سيصبح الهمّ الأكبر للرئيس هو مواجهتها والعبور منها بأقل خسائر ممكنة، وهذا يعني أنه سيستهلك قدراته وجماهيريته في إطفاء الحرائق لا تجميل الحدائق، ووقتها لن يكون هناك حصن أمان أو بديل مُبشّر بالخير أو شخصية قادرة على استيعاب غفوات الحاكم أو أخطائه والعمل على تصحيحها.
إن الأديب الجميل عبد الرحمن الخميسي كان يقول كثيرا: "عشت أدافع عن قيثارتي ولا أعزف ألحاني"، وأي شخص ــ سواء كان السيسي أو غيره ــ سيأتي إلى مؤسسة الرئاسة في السنوات القليلة المقبلة لن يحقق طموحات وآمال الناس، وستكون عليه التضحية بجهده ووقته وحياته في سبيل امتصاص الأزمات وإطفاء الحرائق.
إنني لا أتمنى للفريق "السيسي" أن يُقبل على الخوض في طريق مفروش بالمسامير والزجاج المكسور، إن هذا الطريق ليس طريقه، ولكن مهمته الحقيقية ــ في تصوّري ــ هي ضمان ألا يتحول الحاكم إلى قامع للشعب أو قاهر للحريات، والله أعلم.